القول في العدس العدس في الجملة بارد في الدرجة الأولى، يابس في الدرجة الثانية. والغالب على جرمه القحل وعدم اللدونة واللزوجة أصلا. إلا أنا إذا بحثنا عن تفصيله، وجدناه مركبا من قوتين متضادتين:
إحداهما: في قشره، والأخرى: في جوهر جرمه، لان في قشره حرافة يسيرة بها يهيج البطن للانطلاق وفى (2) جوهر جرمه قوة قابضة مقوية للمعدة مانعة للاسهال المري. ولذلك صار الانسان إذا طبخه بقشره وصفاه وأخذ ماءه (2) وطيبه بمري أو ملح وزيت عذب وشربه، أطلق طبيعته لما في ذلك الماء من الحدة المكتسبة من قشر العدس. وإذا طبخه ونحى عنه ماءه (2) الأول وطبخه بماء ثان (3) قل (4) إسهاله للبطن، لان حرافة القشر قد زالت عنه في الماء الأول. وإن قشره من قشره قبل أن يطبخه، وسلقه سلقة جيدة ونحى ذلك الماء عنه، ثم طبخه بماء ثان (3) صار ألطف وأسرع انهضاما وأقوى على قطع الاسهال المري من قبل أن حدة القشر قد زالت عنه بزوال القشر، وانفرد بقوته القابضة.
وأما الغذاء المتولد عن العدس بالجملة، فغذاء غليظ عسير الانهضام بطئ الانحدار، يولد دما يقرب من المرة السوداء وبخاصة إذا طبخ بقشره. ولذلك صار يملا دماغ المدمن عليه بخارات غليظة من جنس السوداء ويصدع ويحدث أحلاما رديئة، ويملأ المعدة والمعاء رياحا نافخة، ويولد سوداء وتمددا وانحصارا في الطبيعة، للمصارعة التي تقع بين قشره وبين جوهر جرمه لما بينهما من التضاد.
ولهذا صار من أخص الحبوب بالاضرار بالمعدة والرئة والحجاب الفاصل وحجب الدماغ وسائر الأعصاب والحجب وبخاصة حجب العين لأنه يجفف رطوباتها بقحله وجفافه، ويحيدها عن الاعتدال،