ينبغي أن يمدح الكرفس على سبيل الغذاء لأنه يبعد من تنقية المعدة لكثرة ما يجذب إليها من الرطوبات الرديئة. ولهذه الجهة صار مغثيا مهيجا للقئ غير محمود في المعونة على الهضم. فإذا جاد هضمه، حبس البطن وفعل بزره في درور البول وفى جميع ما ذكرنا، أقوى من فعل ورقه كثيرا. وفعل أصله أقوى من فعل بزره. وللفاضل أبقراط في الكرفس فصل قال فيه: وأما ورق الكرفس فإن معونته على درور البول أكثر من معونته على إطلاق البطن. وأصله وعروقه أكثر إطلاقا للبطن من ورقه لان أصله يفعل على سبيل الدواء وورقه على ما فيه من الحرافة والتلطيف بعيد الانهضام والانحدار لجذبه الرطوبات إلى المعدة.
ولذلك وجب أن لا يقدم أكله، لان أكله بعد الطعام أوفق كثيرا. وإذا أكل الكرفس مع الخس، أكسبه ذلك جودة واعتدالا ولذاذة وصيره قريبا من الكرفس المربى لما في الخس من البرودة والرطوبة وليانة الطعم، لان طعمه غير قوي. وما كان من الأغذية غير قوي الطعم فإنه إذا أكل مع غذاء له حرافة مثل الكرفس والجرجير والباذروج (1) الحريف، تولد بينهما طعم لذيذ معتدل.
وقال ديسقيريدس إن الكرفس إذا طبخ بأصله وشرب ماؤه، نفع من نهش الهوام، ومن شرب الأدوية القتالة وشرب المرداسنج (2)، حلل (3) الرياح والنفخ وهيج القئ وعقل البطن. وبزر الكرفس أدر للبول وأحبس للبطن من ورقه. وقد ينتفع به في أخلاط الأدوية المسكنة (4) للأوجاع وأدوية السعال والأدوية (5) المانعة لضرر ذوات السموم. ومن خاصة بزر الكرفس الاضرار بمن به صرع. وزعم بعض الأوائل أن الكرفس الريفي والجبلي جميعا مضران بكل مسموم لأنهما يطرقان للسم ويوصلانه (6) إلى القلب بسرعة. قال إسحاق: برهان هذا ظاهر في الكرفس وبين من فعله وبخاصة إذا تقدم الكرفس قبل الدواء المسموم، أو كان بعده بيسير لان الكرفس يفتح المجاري ويطرق للسم ويوصله إلى القلب بسرعة، إلا أنه إذا أخذ بعد أن تضعف قوة السم وتخلق (7)، كان له قوة تنشفه وتنقيه وتدفع ضرره.
* * * في الكرفس البري وأما الكرفس البري فحرارته ويبسه في آخر الدرجة الثالثة لان قوته قطاعة مدرة للبول والطمث، محللة للرياح والنفخ. وأنفع ما فيه بزره لان قوة قضبانه وورقه وإن كانت قريبة من قوة بزره، فإنها