مسحوق ويلقى فيه قبل نزوله عن النار بساعة ليذوب في الماء حسنا ويختلط به. وينبغي أن يحذر من الماء إذا كانت البورقية فيه أظهر، وعليه أغلب لان من شأن الملوحة أن تحمي الأبدان وتنشف الرطوبات وتجفف البطون بالعرض لا بالطبع، من قبل أنها، وإن كانت <في> ابتداء فعلها تذيب الفضول وتقطع (1) الأخلاط وتلذع (2) الأمعاء وتطلق البطن، فإنها في المنتهى تجفف رطوبات الثفل وتمنع من انحداره فيصير ذلك سببا لحبسها للبطن.
القول في الثلج أما الثلج فهو في طبيعته أبرد وأقل رطوبة من الماء كثيرا، من قبل أنه ليس غير ما أفرط عليه برد الجو فأجمده وغلظه وأخفى رطوبته. ولهذه الجهة صار اليبس به أخص من الرطوبة، وصار أغلظ وأثقل على المعدة وأضر بعصبها وسائر الأعضاء جملة. ومن قبل ذلك صار مانعا من جودة الهضم مضرا (3) بالأسنان لقربها من طبيعة العصب. وأوكد الأسباب فيه الاضرار بالمسنين (4) إضرارا عاجلا من كثب لقلة احتمال عصبهم لبرده لضعف حرارتهم الغريزية بالطبع. ولذلك صار مضرا لمعدهم وصدورهم وسائر بطونهم إضرارا شديدا، ومولدا (5) فيهم ضيق النفس والفالج والتشنج. فأما الاحداث والشبان فإن إضراره بهم ليس بعاجل لمقاومة حرارتهم الغريزية لبرده بقوتها، وإن كان الاكثار منه والادمان عليه مؤذيا لهم، لأنه يحدث في عصبهم عللا يموتون وهي بهم. ومن الأفضل للمدمنين عليه من الشبان والاحداث لزوم دخول (6) الحمام والتمرخ (7) فيها بعد التعرق الكثير بدهن السوسن والنرجس ودهن الأترج والمزرنجوش (8)، ويشربون الشراب العتيق الريحاني. فأما.. (9) فلا حيلة لهم في دفع ضرره عنهم إذا أدمنوا عليه.
وأما المبرد بالثلج فألطف وأقل غلظا من الثلج نفسه وأبعد من الاضرار بالمعدة والعصب لأنه، بإضافته إلى الثلج، أقل برودة وأبعد من اليبوسة. ولذلك صار ألطف وأسرع انحدارا وجولانا في البدن وأقل إضرارا بالمعدة (10). وأفضل من الماء المبرد بالثلج، لان الماء المبرد في الهواء البارد اللطيف أبعد من الاضرار بالعصب كثيرا، بل لا ضرر فيه أصلا.
ولما كان ماء البحر وسائر المياه المالحة قد تستعمل في مصالح الأبدان كثيرا في الحمامات وغيرها إذا عدم الماء العذب، رأينا ألا نخلي كتابنا هذا من ذكرها ولا نعريه منها، وأن نضيف ذكرها إلى ذكر الماء العذب لما بينهما من المجانسة في الجوهر، وإن اختلفت في الكيف.
* * *