الباب الثالث عشر في السبب الذي له اختلفت اللحمان في جودة غذائها ورداءته وسرعة انهضامه وبطئه أما اختلاف غذاء الحيوان في جودته ورداءته وسرعة انهضامه وبطئه، فيكون لوجوه ستة:
أحدها: مزاج الحيوان في نفسه وطبيعته. والثاني: مقدار سنه ومقدار مدة زمانه. والثالث: طبيعة غذائه ومرعاه. والرابع: سمنه وهزاله. والخامس: الوقت الحاضر من أزمان السنة. والسادس: صنعته وعمله.
وقبل أن نبتدئ بالفحص عن كل واحد من هذه الأبواب وننبئ عن خاصته ورسمه، فيجب أن نقدم القول بالفرق بين الذكر والأنثى من الحيوان وما ليس بذكر ولا أنثى أعني الخصي. فأقول: إنه لا يشك أحد من الطبيعيين أن الذكر من كل حيوان أسخن وأجف وأقل رطوبة ولزوجة وألطف غذاء من الأنثى، والأنثى بعكس ذلك. ولهذه الجهة صار اللحم من كل ذكر ألطف وأسرع انهضاما وأفضل غذاء من الأنثى خلا الأنثى من الماعز فإنها أفضل من الذكر وأحمد بالطبع، من قبل أن الماعز في طبيعته يابس والذكر من كل حيوان كذلك. فإذا اجتمع في الماعز اليبس من الثلاث جهات، أعني يبس مزاجه ويبس نوعيته ويبس أنه ذكر، صار لحمه ليفيا شبيها بلحم الهرم من كل حيوان. وأما الأنثى فإنها، لما كانت في طبيعتها أرطب وألين لحما، اعتدل يبس مزاجها النوعي بمزاجها الخاصي وصار لحمها أفضل وأسرع انهضاما، إلا أن يكون الذكر من الماعز رضيعا، فلا يقال أنه مذموم، ذلك لاكتسابه الرطوبة المحمودة من اللبن. غير أن الأنثى في الجملة إذا ساوت الذكر في السن والرضاع، كانت أفضل لا محالة، من قبل أن الرطوبة التي اكتسبها الذكر من اللبن فصار بها فاضلا، قد اكتسبتها الأنثى أيضا من اللبن وازدادت بها فضلا عن فضلها.
فإن عارضنا معترض بالبقر وقال: فلم لا كانت الأنثى من البقر أيضا أفضل من الذكر، والبقر في طبيعته أشد يبسا من الماعز؟.
قلنا له: من قبل أن لحم البقر أغلظ وأعسر انهضاما وأبعد من الانقياد لفعل الطبيعة، والأنثى من كل حيوان كذلك. فإذا كان البقر أنثى، اجتمع له الغلظ وعسر الانهضام من الجهتين، وصار لحمه