في اختلاف غذاء الحيوان من قبل مزاجاتها وطبائعها أما مزاج الحيوان فيختلف على ثلاثة ضروب: وذلك أن منه ما هو في طبيعته معتدل في رطوبته ويبسه إلا أنه يكون على ضربين، إما باردا مثل الرضيع من الماعز، وإما حارا مثل الفتي من الضأن. ومنه ما الغالب على مزاجه اليبوسة إلا أنه أيضا على ضربين، إما حار مثل الهرم من الضأن، وإما بارد مثل الفتي من الماعز. ومنه ما الغالب على مزاجه الرطوبة، إلا أنه أيضا يكون على ضربين (1) فما كان من الحيوان في طبيعته متوسطا بين الرطوبة واليبوسة، كان في سرعة انهضامه وجودة غذائه أفضل وأسرع وأسبق من غيره كثيرا، ولا سيما متى كان فتيا لا هرما ولا رضيعا لأنه إن كان هرما اكتسب يبسا وجفافا وزال عن الاعتدال، وصار لحمه ليفيا. وإن كان رضيعا اكتسب رطوبة ولزوجة زال بها مزاجه عن الاعتدال وعسر انهضامه وولد بلغما غليظا إلا أن يكون الحيوان في طبيعته جافا يابسا مثل الماعز والبقر، فيكون قربه من اللبن يكسبه رطوبة محمودة يعتدل بها يبس مزاجه من قبل أن كل حيوان يغلب على مزاجه اليبس فهو مطبوع على الفساد، إلا أن يكون في الرضاع أو قريب من الرضاع، فيكسبه اللبن رطوبة يعتدل بها مزاجه.
ولذلك صار الرضيع من الماعز، وبعده البقر، أحمد وأفضل مما كان فتيا أو هرما، لان الحيوان إذا كان في مزاجه جافا، وكان مع ذلك فتيا، اجتمع له اليبس من الجهتين جميعا، وولد دما غليظا سوداويا. إلا أنه إذا كان من الحيوان أبرد مثل الماعز والبقر، كان فساده أقل. ومتى كان من حيوان أسخن كان فساده أكثر من قبل أن اليبوسة متى كان معها حرارة، أحرقت وجففت وأسرعت إلى الفساد. ومتى كانت حرارتها أضعف بالإضافة إلى غيرها وأميل إلى البرودة، كان إحراقها أقل وتجفيفها أضعف وبعدت من الفساد قليلا.
وأما الحيوان الذي هو في طبيعته رطب، فإن لحمه يكون رخوا لينا سريع الانحدار عن المعدة والمعاء. ولذلك صار من خاصته توليد الخلط البلغماني اللزج، إلا أنه متى كان من حيوان أسخن مثل