الباب العاشر الفواكه وسائر الأطعمة والأشربة التي تبرد بالماء البارد الشديد البرد أو بالثلج قال المؤلف لهذا الكتاب: ينبغي أن يحذر الفواكه كلها وسائر الطعوم البردية الغذاء المولدة للدم الرقيق، جميع الناس في كل وقت وعلى كل حال إلا في وقت التعب والسفر في الحر الشديد عند الحاجة إلى ما يعدل يبس البدن كله، ويبرد حرارته. فإنه عند ذلك قد يصلح استعمال الفواكه الرطبة مثل التوت والإجاص والعنب والتين والخوخ والقثاء والخيار والبطيخ وسائر الأطعمة والأشربة الباردة المتخذة اللبن، إلا أنه لا يجب أن تستعمل دون أن تكتسب برودة من خارج بغسلها بالماء البارد مرات عددا وتنقع فيه أيضا حينا لتكتسب بذلك بردا يقاوم حرارة البدن في ذلك الوقت، إذ ليس في قوة تبريدها ما يقاوم حرارة الكبد والمعدة في مثل هذه الحال، فضلا عن غيرهما من الأعضاء، على أن المعدة والكبد أول عضوين يلقاهما الغذاء من البدن. ولذلك احتاجت إلى أن تكتسب بردا إما بالماء الشديد البرد وإما بالثلج.
وأما الترطيب فإنه يقع من قبل هذه الأطعمة في كل وقت وعلى كل حال، إذ ذلك من طبيعتها وذاتها لغلبة الرطوبة المائية عليها. إلا أنه يجب أن يكون تبريد كل واحد من الناس لها على حسب عادته ومزاجه، لان من اعتاد استعمال الثلج احتاج إلى أن يبرد طعامه بالثلج، ومن كان معتادا لشرب الماء البارد السائل من العيون أو الماء المبرد في هواء بارد، فليس به حاجة إلى استعمال الثلج، لكنه يقتصر على تبريد طعامه وشرابه بالماء الشديد البرد السائل من العيون، والماء المبرد في الهواء البارد. ويحذر استعمال الثلج من لم تجر عادته عليه فإنه، وإن لم يتبين منه في أبدان الشباب على المكان من المضرة ما يحسون به بسرعة، فإن مضرته قد تجتمع رويدا رويدا من غير أن يشعروا (1) بها، وتتزيد في أبدانهم قليلا قليلا حتى إذا جاوزوا شرخ (2) الشباب وصاروا إلى سن الكهول، وقعوا في أمراض يعسر برؤها ولا يبرأون منها أصلا، إما من علل الأحشاء، وإما من علل المفاصل، وإما من علل العصب لان الثلج إنما ينال من أبدان الناس أضعف أعضائها بالطبع وأقربها حسا.