القول في اللوبيا أما اللوبيا (1) فحار في وسط الدرجة الثانية، رطب في آخرها. والدليل على فضل رطوبته أن كثيرا منه لا يمكن أن يجفف ولا يخزن، وإنما يؤكل طريا رطبا. والذي يمكن أن يجفف أيضا، إن يستقصى تجفيفه، لا يمكن أن يبقى الشتاء كله من غير أن يعفن أو يتآكل. ولذلك قال جالينوس: إن اللوبيا لا يمكن أن تخزن كما تخزن سائر الحبوب بالطبع. ولذلك لا يمكن أن يحبس إلا أن يبالغ في تجفيفه الغاية القصوى، كما كان بعض الأوائل يفعل ليمكث عنده الشتاء كله. ولما فيه من كثرة الرطوبة، صار غذاؤه أكثر وأميل إلى البلغم الغليظ. فهو لذلك يولد أخلاطا غليظة ورياحا نافخة وبخارات تملأ الرأس وتحدث أحلاما رديئة فاسدة، وإن كانت رياحه دون رياح الباقلي كثيرا، كأنها قريبة من رياح الماش، إلا أنه أسرع انحدارا من الماش، غير أن الدم المتولد عنه أقل جودة من الدم المتولد من الماش لأنه أغلظ وأقرب إلى البلغم. ولذلك صار محتاجا إلى ما يلطفه ويقطع غلظه، مثل المري والفلفل والكمون وما شاكل ذلك. إلا أنه ينقسم قسمة جنسية على ضربين: لان منه أبيض، ومنه أحمر. وكل واحد منهما فقد يكون رطبا ويكون يابسا.
والأبيض منه أقل حرارة وأكثر رطوبة. ولذلك صار أغلظ وأبطأ انهضاما، وأقرب من توليد الدم البلغماني الغليظ. ومما يستعمل (2) به على دفع ضرره وسرعة انهضامه أن يسلق ويقشر من قشره ويؤكل بمري وزيت وكمون وفلفل، ليكون المري عوضا من الملح. وأما المري فيؤكل، مقشرا من قشره، بخردل وملح وصعتر وفلفل، ويشرب عليه نبيذ صرف، فإن ذلك يعين على هضمه، ويقطع غلظه. وقد يربى هذا النوع بالخل فتقل رطوبته وحرارته، إلا أن انهضامه وانحداره يقصر عما كان عليه، لما يكتسبه من حرارة الخل.