في الملح الملح يسخن إسخانا معتدلا ويجفف تجفيفا قويا، لأنه مركب من كيفيتين مختلفتين: كيفية تجلو وتقطع، وكيفية تجمع وتقبض. والكيفيتان كلتاهما مجففتان، ولذلك صار تجفيفه في الدرجة الثالثة، وإسخانه في الثانية، إلا أنه على ضربين: لان منه المعدني المحتفر من المعادن، ومنه البحيري المتولد في البحيرات والنقائع المعروفة بالسباخ إذا جف ماؤها في الصيف، لان ماءها (١) إذا جف بحرارة الشمس فكأنه يحترق ويصير ملحا. وما خرج من المعادن أفضل مما خرج من غير المعادن. وقوم يزعمون في الذي يخرج من المعادن أنه الاندراني والجبلي. وأفضل ما في المعدني ما كان غير متحجر، وكان لونه أبيض صافيا وجسمه كثيفا متشققا وأجزاؤه متساوية وعروقه أيضا كذلك. وأفضل ما في البحري الأبيض المتساوي الاجزاء.
وزعم ديسقيريدس أن المعدني أقوى فعلا من البحري. وأما جالينوس فساوى بينهما في الفعل.
واتفقا جميعا على أن من خاصية الملح أنه في ابتداء أمره يحلل ويجلو ويذيب الرطوبات الغليظة ويسيلها وينشفها بعد ذلك، ويفني أكثرها، ثم يجمع الأبدان بما هو خالص فيها من الرطوبة الجوهرية ويصلبها ويمنعها من عفونتها وفسادها.
ومن خاصة الملح على سبيل الغذاء إصلاح الطعوم التفهة التي لا طعم لها. ومن منافعه على سبيل الدواء أنه إذا حمل على القروح الخبيثة، نقى فسادها وحديدها ومنعها من الانتشار. وإذا عمل منه لطوخ بالزوفا والخل منع النملة والحمرة من أن تسعى. وإذا خلط بدهن الورد والخل أو بالزيت والخل ومسح به البدن بالقرب من النار أو الحمام وصير المر عليه حتى يحمى <و> يعرق، سكن الحكة العارضة في سطح البدن من الرطوبات العفنة ونفع من القوابي والجرب المتقرح وغير المتقرح. وإذا خلط بالزيت ومسحت (2)