في القراسيا وأما ثمرة القراسيا (1) فإنها وإن كانت منسوبة على الجملة إلى القبض والبرودة، فإن القبض غير متساو في جملتها، لأنها تختلف فيه اختلاف طعومها في القبوضة والحموضة والحلاوة. وذلك أن منها القابض، ومنها الحامض، ومنها الحلو لان ما تم نضجه منها وكمل على شجره كان حلوا. وما لم يكمل نضجه عرض له ما يعرض للتوت، وكان إما مالحا أو حامضا وأن كان التوت مخالفا له من وجهه، لان ما كان من التوت غير كامل النضج كانت الحموضة عليه أغلب من القبض دائما. وثمرة القراسيا فليست كذلك في كل حالاتها قد تكون حامضة، وقد تكون قابضة. والحلو من هذه الثمرة أسهل انحدارا عن المعدة، إلا أن منفعته لها يسيرة، إلا أنه إذا أخذ طريا، كان تليينه للبطن ظاهرا، وإذا أخذ يابسا لم يظهر له فعل في حبس البطن في يبسه.
وأما القابض، فهو (2) ضد ذلك وعكسه، لأنه أبعد انحدارا وأكثر نفعا للمعدة بتقويته لها. ولذلك صار إذا أخذ يابسا، حبس البطن. وإذا أخذ رطبا، لم يظهر له فعل في حبس البطن ولا تليينه. وأما الحامض فزعم فيه جالينوس أنه نافع للمعدة المملوءة فضولا بلغمانية، وذكر أن السبب في ذلك: أن هذه الثمرة إذا كانت حامضة، كانت مركبة من جوهر حامض قطاع وجوهر قابض مقو. فإذا وافت في المعدة فضولا بلغمانية، قطعتها بحموضتها وجمعت جرم المعدة بقبضها ودفعت تلك الفضول وأحدرتها.
وهذا قول إن سلم لجالينوس، فإنما يسلم على سبيل التصديق لقوله، لا على أنه أقام بذلك برهانا طبيعيا (2)، لان ما ادعاه في القراسيا الحامض لو كان واجبا، لكان في التفاح الحامض والسفرجل كذلك. وواجب وألزم إذا كانت الحموضة والعفوصة فيهما أقوى منهما في القراسيا.
وأما صمغ هذه الشجرة ففيه القوة الخاصية التي هي موجودة في جميع الأدوية اللزجة التي لا لذع لها. ولذلك صار نافعا من خشونة قصبة الرئة والحلق. وذكر ديسقوريدس عن هذه الصمغة أنها إذا شربت بشراب، نفعت أصحاب الحصى. فإن كان هذا الفضل فيها فلا محالة أنها ملطفة جدا.