ويؤكد ذلك تعقيب الآية الشريفة بقوله: (ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل)، فإنه يتناسب مع مقام الترغيب في امتثال هذه الأحكام ولو كانت حرجية، وتبرير جعلها إذ هي مجعولة من قبل وهي ملة إبراهيم الحنيف الذي كانت العرب تكن له الآجال والحب، فإنه يقرب اطاعتها في النفوس.
ولا يتناسب مع رفع الاحكام بواسطة الحرج، فان مثل ذلك لا يحتاج إلى مزيد تعليل وترغيب، لأنه مما تقبله النفوس وتتقبله الأطباع.
هذا، ولكن يمكن ان يستظهر من الآية الشريفة بملاحظة الصدر والذيل معنى آخر، وهو: أن الله سبحانه وتعالى أمر أولا بالركوع والسجود وعبادته وفعل الخير، ثم أمر بالمجاهدة في امتثال هذه الأحكام وعدم التواني فيها واتيانه على أصوله، فان ما جعله الله سبحانه ليس بحرجي، بل شريعة سهلة سمحة وهي ملة إبراهيم. فلا نظر في الآية الكريمة إلى نفي الحكم الثابت بمقتضى دليله إذا كان مستلزما للحرج، بل نظرها إلى بيان ان دين الله سبحانه المجعول فعلا واسع سهل ليس بحرجي، في قبال بعض الأديان السابقة التي كانت تتضمن الاحكام الشاقة التي يعسر تحملها.
إذن فلا دلالة لها على المدعى.
فان قلت: الوجه الأخير يكفي في استفادة نفي الحكم في مورد الحرج، وذلك لان جعله في مورد الحرج يتنافى مع المدلول المطابقي للآية، وهي كون الشريعة الاسلامية سهلة لا ضيق فيها، فنفي الحكم الحرجي يكون بالملازمة لا بالمدلول المطابقي كما هو مقتضي الاستظهار الأول.
قلت: بما انا نعلم بورود احكام في الشريعة في خصوص موارد الحرج كموارد الجهاد، بحيث لا يمكن الالتزام بارتفاعها في مورد الحرج، فيدور الامر في عموم الآية بين حمله على بيان عدم الحرج في الدين بلحاظ نوع احكامه وغالب تشريعاته بحسب غالب الموارد، بحيث لا يتنافى مع ثبوت بعض