الأول: ان وجوب الوضوء، مرتفع قهرا، لان عدم وجدان الماء يسلب القدرة فلا يصح التكليف به، فلا معنى لبيان ارتفاعه بعدم جعل الحرج ورفعه.
الثاني: ان الاستدراك الذي يتضمنه قوله تعالى: (ولكن يريد ليطهركم) ظاهر فيما ندعيه، إذ هو اثبات لما نفي بقوله: (وما يريد الله ليجعل عليكم من حرج)، ومقتضى الظهور أن يكون النفي والاثبات واردين على موضوع واحد ومرتبطين بجهة واحدة. ومن الواضح انه لو كان المراد من الآية نفي وجوب الوضوء لاجل الحرج لم يكن معنى للاستدراك أصلا لأنه لا يرتبط بالنفي بالمرة، بخلاف ما لو كان المراد ما ادعيناه فإنه يكون الاستدراك لبيان الغاية الشريفة التي دعت إلى جعل هذه الأحكام المشتملة على الكلفة، أو خصوص التيمم بلحاظ ان إمساس الوجه واليد بالتراب مما قد يكون شاقا من الجهة النفسية على الطبع. فيكون المراد - والله العالم -، انه ليس الغرض من جعل هذه الأحكام هو ايقاعكم في الحرج، بل الغرض تطهيركم من الحدث.
فيكون النفي والاثبات مرتبطين بجهة واحدة.
ومثل هذا الاستعمال شائع في العرف وكثير، فإنه كثيرا ما يقول القائل لاخر عندما يطلب منه شيئا ذا مشقة، إني لا أريد ان أتعبك وليس غرضي ايذائك ولكن الجهة الكذائية دعتني إلى هذا التكليف والطلب. فحين يأمر الوالد ولده الصغير ان يذهب إلى المربي الذي هو شاق على أكثر الأطفال، يقول له انه ليس غرضي ايذائك ولكن غرضي تأديبك وتعليمك ليحصل لك الرقي، إلى غير ذلك من الدواعي الحسنة.
وبالجملة: هذا الاستدراك قرينة صريحة على ما نذهب إليه. فالتفت.
الثالث: إن قاعدة نفي العسر والحرج على تقدير استفادتها لا نظر لها إلى الحكم الوارد مورد الحرج كالجهاد، كما لا نظر لها إلى الحكم المقيد بعدم الحرج، فإنها تتكفل نفي مثل هذين الحكمين، إذ دليل الأول مخصص للقاعدة.