وأما الاستبصار:
فهو بضعة من التهذيب: أفردها منه مقتصرا على الاخبار المختلفة، والجمع بينها بالقريب والغريب.
وبالجملة، فالمشايخ الثلاثة، شكر الله مساعيهم، وإن بذلوا جهدهم فيما أرادوا، وسعوا في نقد الأحاديث وجمع شتاتها وأجادوا، إلا أنهم لم يأتوا فيها بنظام تام، ولا وفى كل واحد منهم بجميع الأصول والاحكام، ولم يشرحوا المبهمات منها شرحا شافيا، ولم يكشفوا كثيرا مما كان منها خافيا، ولم يتعاطوا حل غوامضه، ولا تفرغوا لتفسير مغامضه، ولكن الانصاف إن الجمع بين ما فعلوا وبين ما تركوا أمر غير ميسر، بل خطب لا تبلغه مقدرة البشر، فهم قد فعلوا ما كان عليهم وإنما بقي ما لم يكن موكولا إليهم. فكم من سرائر بقيت تحت السواتر، وكم ترك الأول للاخر، فجزاهم الله عنا خير الجزاء بما بلغوا إلينا، وأسكنهم الجنان في العقبي لما تلوا علينا.
ولم أر أحدا تصدى لتتميم هذا الامر إلى الان، ولا صدع به أحد من مشائخنا في طول هذا (1) الزمان مع إن الأفئدة في الاعصار والأدوار هاوية إليه، والأكباد في الأقطار والأمصار هائمة عليه.
وإني وإن كنت في هذا الشأن لقليل البضاعة، غير ممتط ظهر الخطر في بوادي هذه الصناعة، إلا أن الدهر لما كان عن إبراز الرجال في وسن (2)، ولم يكن لمعضلات القضايا أبو الحسن (3) وكانت آمال جماعة من الاخوان متوجهة إلي، ووجوه قلوبهم مقبلة علي، اضطرني ذلك إلى الخوض في هذا الخطب الشريف، والاخذ في هذا الجمع والتأليف، والاتيان من المباني والمعاني بالتليد (4) والطريف (5).