من أحرم وفى يده صيد قد ملكه قبل ذلك، أو في منزله قريبا، أو بعيدا، أو في قفص معه فهو حلال له - كما كان - أكله. وذبحه. وملكه. وبيعه، وإنما يحرم عليه ابتداء التصيد للصيد وتملكه وذبحه حينئذ فقط فلو ذبحه لكان ميتة ولو انتزعه حلال من يده لكان للذي انتزعه ولا يملكه المحرم وان أحل الا بأن يحدث له تملكا بعد إحلاله * برهان ذلك أن الله تعالى قال: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) وقال: (ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) فقالت طائفة: هاتان الآيتان على عمومهما والشئ المتصيد هو المحرم ملكه وذبكه وأكله كيف كان؟ فحرموا على المحرم أكل كل شئ من لحم الصيد جملة وان صاده لنفسه حلال وان ذبحه الحلال، وحرموا عليه ذبح شئ منه وإن كان قد ملكه قبل إحرامه. وأوجبوا على من أحرم وفي داره صيد أو في يده. أو معه في قفص أن يطلقه وأسقطوا عنه ملكه البتة ولم يبيحوا لاحد من سكان مكة والمدينة أكل شئ من لحم الصيد. أو تملكه. أو ذبحه * وقالت طائفة: قول الله تعالى: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) إنما أراد الله تعالى الفعل الذي هو التصيد لا الشئ المتصيد وهو مصدر صاد يصيد صيدا فإنما حرم عليه صيده لما يتصيد فقط، وقالوا: قوله تعالى: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) هو التصيد أيضا نفسه المحرم في الآية الأخرى * واستدلت هذه الطائفة على ما قالته بقول الله تعالى: (وإذا حللتم فاصطادوا) قالوا: فالذي أباحه الله تعالى لنا بالاحلال هو بلا شك المحرم علينا بالاحرام لا غيره، وقالوا: لا يطلق في اللغة اسم الصيد الاعلى ما كان في البرية وحشيا غير متملك فإذا تملك لم يقع عليه اسم صيد بعد * قال أبو محمد: فهذان القولان هما اللذان لا يجوز أن يفهم من الآية غيرهما وكل ما عداهما فقول فاسد متناقض لا يدل على صحته دليل أصلا، فوجب ان ننظر في أي القولين يقوم على صحته البرهان. فوجدنا أهل المقالة الأولى يحتجون بحديث ابن عباس عن الصعب ابن جثامة الليثي أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل حمار وحش فرده عليه، وقال:
(انا حرم لا نأكل الصيد)، وروى هذا الحديث أيضا بلفظ (أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمار وحش فرده عليه وقال: لولا أنا محرمون لقبلناه منك) * روينا اللفظ الأول من طريق حماد بن زيد عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة، واللفظ الثاني من طريق الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أهدى الصعب بن جثامة * ومن طريق مسلم حدثني زهير بن حرب نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن ابن جريج أخبرني الحسن بن مسلم عن