قاصدا لاسماعه وافهامه فأشبه ما لو خاطبه. وقال الشاعر * إياك أعني فاسمعي يا جارة * (فصل) فإن ناداه بحيث يسمع فلم يسمع لتشاغله أو غفلته حنث نص عليه احمد فإنه سئل عن رجل حلف أن لا يكلم فلانا فناداه والمحلوف عليه لا يسمع قال يحنث لأنه قد أراد تكليمه وهذا لكون ذلك يسمى تكليما يقال كلمته فلم يسمع، وإن كان ميتا أو غائبا أو مغمى عليه أو أصم لا يعلم بتكليمه إياه لم يحنث وبهذا قال الشافعي، وحكي عن أبي بكر انه يحنث بنداء الميت لأن النبي صلى الله عليه وسلم كلمهم وناداهم، وقال " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " ولنا قوله تعالى (وما أنت بمسمع من في القبور) ولأنه قد بطلت حواسه وذهبت نفسه فكان أبعد من السماع من الغائب البعيد لبقاء الحواس في حقه، وإنما كان ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم كرامة له وأمرا اختص به فلا يقاس عليه غيره (فصل) وان سلم على المحلوف عليه حنث لأن السلام كلام تبطل الصلاة به، وان سلم على جماعة هو فيهم أو كلمهم فإن قصد المحلوف عليه مع الجماعة حنث لأنه كلمه، وان قصدهم دونه لم يحنث.
قال القاضي لا يحنث رواية واحدة وهو مذهب الشافعي لأن اللفظ العام يحتمل التخصيص فإذا نواه به فهو على ما نواه، وان أطلق حنث وبه قال الحسن وأبو عبيد ومالك وأبو حنيفة لأنه مكلم لجميعهم لأن مقتضى اللفظ العموم فيحمل على مقتضاه عند الاطلاق وقال القاضي فيه روايتان وللشافعي قولان (أحدهما) لا يحنث لأن العام يصلح للخصوص فلا يحنث بالاحتمال والأول أولى لأن هذا الاحتمال مرجوح فيتعين العمل بالراجح كما احتمل اللفظ المجاز الذي ليس بمشتهر فإنه لا يمنع حمله على الحقيقة عند اطلاقه فإن لم يعلم أن المحلوف عليه فيهم ففيه روايتان (إحداهما) لا يحنث لأنه لم يرده فأشبه ما لو استثناه (والثاني) يحنث لأنه قد أرادهم بسلامه وهو منهم وهذا بمنزلة الناسي وإن كان وحده فسلم عليه ولا يعرفه فقال أحمد يحنث ويحتمل أن لا يحنث بناء على الناسي والجاهل (فصل) فإن حلف لا يكلمه ثم وصل يمينه بكلامه مثل أن قال فتحقق ذلك أو فاذهب فقال أصحبنا يحنث وقال أصحاب أبي حنيفة لا يحنث بالقليل لأن هذا تمام الكلام الأول والذي يقتضيه يمينه أن لا يكلمه كلاما مستأنفا واحتج أصحابنا بأن هذا القليل كلام منه له حقيقة وقد وجد بعد يمينه فيحنث به كما لو فصله ولان ما يحنث به إذا فصله يحنث به إذا وصله كالكثير وقولهم ان اليمين يقتضي خطابا مستأنفا قلنا وهذا الخطاب مستأنف غير الأول بدليل انه لو قطعه حنث به وقياس المذهب انه لا يحنث لأن قرينة صلته هذا الكلام بيمينه تدل على إرادة كلام يستأنفه بعد انقضاء هذا الكلام المتصل فلا يحنث به كما لو وجدت النية حقيقة وإن نوى كلاما غير هذا لم يحنث بهذا في المذهبين.
(فصل) وإن صلى بالمحلوف عليه إماما ثم سلم من الصلاة لم يحنث نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة