وقال أصحاب الشافعي يحنث لأنه شرع له أن ينوي السلام على الحاضرين. ولنا انه قول مشروع في الصلاة فلم يحنث به كتكبيرها وليست نية الحاضرين بسلامه واجبة في السلام وإن ارتج عليه في الصلاة ففتح عليه الحالف لم يحنث لأن ذلك كلام الله وليس بكلام الآدميين (فصل) وإن حلف لا يتكلم فقرأ لم يحنث وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إن قرأ في الصلاة لم يحنث وإن قرأ خارجا منها حنث لأنه يتكلم بكلام الله، وإن ذكر الله تعالى لم يحنث ومقتضى مذهب أبي حنيفة انه يحنث لأنه كلام قال الله تعالى (وألزمهم كلمة التقوى) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أفضل الكلام أربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " وقال " كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم " ولنا ان الكلام في العرف لا يطلق إلا على كلام الآدميين ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم " ان الله يحدث من أمره ما يشاء وانه قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة " لم يتناول المختلف فيه وقال زيد ابن أرقم كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت [وقوموا لله قانتين] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وقال الله تعالى [آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا * واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار] فأمره بالتسبيح مع قطع الكلام عنه ولان ما لا يحنث به في الصلاة لا يحنث به خارجا منها كالإشارة وما ذكروه يبطل بالقراءة والتسبيح في الصلاة وذكر الله المشروع فيها وإن أستأذن عليه انسان فقال (ادخلوها بسلام آمنين) يقصد القرآن لم يحنث وإلا حنث (فصل) وإن حلف لا يتكلم ثلاث ليال أو ثلاثة أيام لم يكن له أن يتكلم في الأيام التي بين الليالي ولا في الليالي التي بين الأيام إلا أن ينوي لأن الله تعالى قال [آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا] وفي موضع آخر [ثلاث ليال سويا] فكان كل واحد من اللفظين عبارة عن الزمانين جميعا وقال الله تعالى (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر) فدخل فيه الليل والنهار (فصل) ومن حلف ان لا يتكفل بمال فكفل ببدن انسان فقال أصحابنا يحنث لأن المال يلزمه بكفالته إذا تعذر تسليم المكفول به والقياس أنه لا يحنث لأنه لم يكفل بمال وإنما يلزمه المال بتعذر احضار المكفول به وأما قبل ذلك فلا يلزمه ولان هذا لا يسمى كفالة بالمال ولا يصح نفيها عنه فيقال ما تكفل بمال وإنما تكفل بالبدن وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي (فصل) وان حلف لا يستخدم عبدا فخدمه وهو ساكت لم يأمره ولم ينهه فقال القاضي إن كان عبده حنث وإن كان عبد غيره لم يحنث وهذا قول أبي حنيفة لأن عبده يخدمه عبادة بحكم استحقاقه ذلك عليه فيكون معنى يمينه لا منعتك خدمتي فإذا لم ينهه لم يمنعه فيحنث وعبد غيره بخلافه وقال
(٣٢٩)