وأما الآية فإنها تدل بمعناها على ما ذكرناه فإنها دلت على أنه مخير في كل فقير بين يطعمه أو يكسوه وهذا يقتضي ما ذكرناه ويصير كما يخير في الصيد الحرمي بين ان يفديه بالنظير أو يقوم النظير بدراهم فيشتري بها طعاما يتصدق به أو يصوم عن كل مد يوما، فلو صام عن بعض الامداد وأطعم بعضا أجزأ كذلك ههنا وكذلك الدية لما كان مخيرا بين إخراج ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم لو أعطى البعض ذهبا والبعض دراهم جاز. وفارق ما إذا أعتق نصف عبد وأطعم خمسة أو كساهم لأن تنصيف العتق يخل بالآخر لما سنذكره بعد هذا (فصل) وان أطعم المسكين بعض الطعام وكساه بعض الكسوة لم يجزئه لأنه ما أطعمه الطعام الواجب له ولا كساه الكسوة الواجبة فصار كمن لم يطعمه شيئا ولم يكسه، وان أطعم بعض المساكين برا وبعضهم تمرا أو من جنس آخر أجزأ وقال الشافعي لا يجزئه ولنا قوله تعالى (فكفارته إطعام عشرة مساكين) وقد أطعمهم من جنس ما يجب عليه ولأنه لو كسا بعض المساكين قطنا وبعضهم كتانا جاز مع اختلاف النوع كذلك الاطعام (مسألة) قال (وإن أعتق نصفي عبدين أو نصفي أمتين أو نصفي عبد وأمة أجزأ عنه) قال الشريف أبو جعفر هذا قول أكثرهم يعني أكثر الفقهاء، وقال أبو بكر بن جعفر لا يجزئ لأن المقصود من العتق تكميل الأحكام ولا يحصل من إعتاق نصفين، واختلف أصحاب الشافعي على ثلاثة أوجه فمنهم من قال كقول الخرقي ومنهم من قال كقول أبي بكر ومنهم من قال إن كان نصف الرقيق حرا أجزأ لأنه يحصل تكميل الأحكام، وإن كان رقيقا لم يجز لأنه لا يحصل ولنا ان الأشقاص كالاشخاص فيما لا يمنع منه العيب اليسير دليله الزكاة ونعني به إذا كان له نصف ثمانين شاة مشاعا وجبت الزكاة كما لو ملك أربعين منفردة وكالهدايا والضحايا إذا اشتركوا فيها، والأولى انه لا يجزئ إعتاق نصفين إذا لم يكن الباقي بينهما حرا لأن إطلاق الرقبة إنما ينصرف إلى إعتاق الكاملة ولا يحصل من الشقصين ما يحصل من الرقبة الكاملة من تكميل الأحكام وتخليص الآدمي من ضرر الرق ونقصه فلا يثبت به من الأحكام ما يثبت باعتاق رقبة كاملة، ويمتنع قياس الشقصين على الرقبة الكاملة، ولهذا لو أمر انسانا بشراء رقبة أو بيعها أو باهداء حيوان أو بالصدقة به لم يكن له ان يشقصه كذا ههنا
(٢٨٠)