(فصل) وان فوض الإمام إلى انسان تولية القضاء جاز لأنه يجوز أن يتولى ذلك فجاز له لتوكيل فيه كالبيع وان فوض إليه اختيار قاض جاز ولا يجوز له اختيار نفسه ولا والده ولا ولده كما لو وكله في الصدقة بمال لم يجز له اخذه ولا دفعه إلى هذين، ويحتمل انه يجوز له اختيارهما إذا كانا صالحين للولاية لأنهما يدخلان في عموم من أذن له في الاختيار منه مع أهليتهما فأشبها الأجانب (فصل) وليس للحاكم ان يحكم لنفسه كما لا يجوز أن يشهد لنفسه فإن عرضت له حكومة مع بعض الناس جاز أن يحاكمه إلى بعض خلفائه أو بعض رعيته فإن عمر حاكم أبيا إلى زيد وحاكم رجلا عراقيا إلى شريح وحاكم علي اليهودي إلى شريح، وحاكم عثمان طلحة إلى جبير بن مطعم. فإن عرضت حكومة لوالديه أو ولده أو من لا تقبل شهادته له ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز له الحكم فيها بنفسه وان حكم لم ينفذ حكمه وهذا قول أبي حنيفة والشافعي لأنه لا تقبل شهادته له فلم ينفذ حكمه له كنفسه (والثاني) ينفذ حكمه اختاره أبو بكر وهو قول أبي يوسف وابن المنذر وأبي ثور لأنه حكم لغير أشبه الأجانب. وعلى القول الأول متى عرضت لهؤلاء حكومة حكم بينهم الإمام أو حاكم آخر أو بعض خلفائه، فإن كانت الخصومة بين والدية أو ولديه أو والده وولده لم يجز له الحكم بينهما على أحد الوجهين لأنه لا تقبل شهادته لأحدهما على الآخر فلم يجز الحكم بينهما كما لو كان خصمه أجنبيا وفي الآخر يجوز وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأنهما سواء عنده فارتفعت تهمة الميل فأشبها الأجنبيين (فصل) وإذا تحاكم رجلان إلى رجل حكماه بينهما ورضياه وكان ممن يصلح للقضاء فحكم بينهما جاز ذلك ونفذ حكمه عليهما وبهذا قال أبو حنيفة وللشافعي قولان (أحدهما) لا يلزمهما حكمه إلا بتراضيهما لأن حكمه إنما يلزم بالرضى به ولا يكون الراضي إلا بعد المعرفة بحكمه ولنا ما روى أبو شريح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له " ان الله هو الحكم فلم تكنى أبا الحكم؟ "
(٤٨٣)