(مسألة) قال (ويحكم على الغائب إذا صح الحق عليه) وجملته أن من ادعى حقا على غائب في بلد آخر وطلب من الحاكم سماع البينة والحكم بها عليه فعلى الحاكم اجابته إذا كملت الشرائط وبهذا قال شبرمة ومالك والأوزاعي والليث وسوار وأبو عبيد وإسحاق وابن المنذر فكان شريح لا يرى القضاء على الغائب، وعن أحمد مثله وبه قال ابن أبي ليلى والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وروي عن القاسم والشعبي إلا أن أبا حنيفة قال إذا كان له خصم حاضر من وكيل أو شفيع جاز الحكم عليه واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي " إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقض للأول حتى تسمع كلام الآخر فإنك تدري بما تقضي " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
ولأنه قضاء لاحد الخصمين وحده فلم يجز كما لو كان الآخر في البلد ولأنه يجوز أن يكون للغائب ما يبطل البينة ويقدح فيها فلم يجز الحكم عليه ولنا أن هندا قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي؟
قال " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " متفق عليه فقضى لها ولم يكن حاضرا ولان هذا له بينة مسموعة عادلة فجاز الحكم بها كما لو كان الخصم حاضرا، وقد وافقنا أبو حنيفة في سماع البينة، ولان ما تأخر عن سؤال المدعي إذا كان حاضرا يقدم عليه إذا كان غائبا كسماع البينة وأما حديثهم فنقول به إذا تقاضى إليه رجلان لم يجز الحكم قبل سماع كلامهما وهذا يقتضي أن يكونا حاضرين ويفارق الحاضر الغائب فإن البينة لا تسمع على حاضر إلا بحضرته والغائب بخلافه، وقد ناقض أبو حنيفة أصله فقال إذا جاءت امرأة فادعت أن لها زوجا غائبا وله مال في يد رجل وتحتاج إلى النفقة فاعترف لها بذلك فإن الحاكم يقضي عليه بالنفقة. ولو ادعى رجل على حاضر انه اشترى من غائب ما فيه شفعة وأقام بينة بذلك حكم له بالبيع والاخذ بالشفعة ولو مات المدعى عليه فحضر بعض ورثته أو حضر وكيل الغائب وأقام المدعي بينة بذلك حكم له بما ادعاه