الشبع لأنه إذا اقتصر على سد الرمق عادت الضرورة إليه عن قرب ولا يتمكن من البعد عن الميتة مخافة الضرورة المستقبلة ويفضي إلى ضعف بدنه وربما أدى ذلك إلى تلفه بخلاف التي ليست مستمرة فإنه يرجو الغنى عنها بما يحل له والله أعلم. إذا ثبت هذا فإن الضرورة المبيحة هي التي يخاف التلف بها ان ترك الأكل قال احمد إذا كان يخشى على نفسه سواءا كان من جوع أو يخاف ان ترك الأكل عجز عن المشي وانقطع عن الرفقة فهلك أو يعجز عن الركوب فيهلك ولا يتقيد ذلك بزمن محصور (فصل) وهل يجب الاكل من الميتة على المضطر؟ فيه وجهان:
(أحدهما) يجب وهو قول مسروق واحد الوجهين لأصحاب الشافعي قال الأثرم سئل أبو عبد الله عن المضطر يجد الميتة ولم يأكل فذكر قول مسروق من اضطر فلم يأكل ولم يشرب فمات دخل النار وهذا اختيار ابن حامد وذلك لقول الله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وترك الاكل مع إمكانه في هذا الحال القاء بيده إلى التهلكة وقال الله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما) ولأنه قادر على احياء نفسه بما أحله الله له فلزمه كما لو كان معه طعام حلال (والثاني) لا يلزمه لما روي عن عبد الله بن حذافة السهمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ان طاغية الروم حبسه في بيت وجعل معه خمرا ممزوجا بماء ولحم خنزير مشوي ثلاثة أيام فلم يأكل ولم يشرب حتى مال رأسه من الجوع والعطش وخشوا موته فأخرجوه فقال قد كان الله أحله لي لأني مضطر ولكن لم أكن لأشمتك بدين الاسلام، ولان إباحة الاكل رخصة فلا تجب عليه كسائر الرخص ولان له غرضا في اجتناب النجاسة والاخذ بالعزيمة وربما لم تطب نفسه بتناول الميتة وفارق الحلال في الأصل من هذه الوجوه (فصل) وتباح المحرمات عند الاضطرار إليها في الحضر والسفر جميعا لأن الآية مطلقة غير مقيدة بإحدى الحالتين وقوله (فمن اضطر) لفظ عام في حق كل مضطر ولان الاضطرار يكون في الحضر في سنة المجاعة وسبب الإباحة الحاجة إلى حفظ النفس عن الهلاك لكون هذه المصلحة أعظم من مصلحة