وفرض العبد في الكفارات الصوم، سواء كانت الكفارة مرتبة، مثل كفارة الظهار، أو مخيرة فيها، لأن العبد لا يملك، وقد ذكرنا فيما مضى كفارة اليمين (1)، فإن عجز عن الثلاثة الأجناس، - وحد العجز أن لا يكون له ما يفضل عن قوته وقوت من يجب عليه نفقته، ليومه وليلته - كان عليه صيام ثلاثة أيام متتابعات، يستوي الحر والعبد في صيامهن، فإن لم يقدر على الصوم، فليستغفر الله تعالى، فهو كفارة له، فإن وجد بعد ذلك المال، أو قدر على الصوم، فلا يجب عليه فعل شئ من ذلك، لأنه قد كفر بالاستغفار، فوجوب ذلك ثانيا يحتاج إلى دليل، وقد قدمناه (2) أنه إذا لم يجد العدد، ووجد بعضهم كرر عليهم حتى يستوفي العدد.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته، ومتى لم يجد أحدا من المؤمنين أصلا، ولا من أولادهم، أطعم المستضعفين ممن خالفهم (3).
وهذا غير مستقيم ولا واضح، لأنه خبر واحد أورده إيرادا لا اعتقادا، لأن مستحق الكفارات مستحق الزكوات على ما قدمناه (4)، فلا يجوز إعطاؤهما لغيرهم على حال.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته، وكفارة نقض النذور والعهود، عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا، مخير فيها أيها فعل فقد أجزأه، ومتى عجز عن ذلك كله، كان عليه صيام ثمانية عشر يوما، فإن لم يقدر على ذلك، أطعم عشرة مساكين، أو قام بكسوتهم، فإن لم يقدر على ذلك، تصدق بما استطاع، فإن لم يستطع شيئا أصلا، استغفر الله تعالى، ولا يعود، هذا آخر كلامه رحمه الله (5).
والصحيح الذي يقتضيه أصول أصحابنا وما حققه محصلوهم، أن النذر لا يخلو من أحد أمرين، إما أن يكون صوما معينا، فخالفه وأفطر فيه متعمدا، فكفارة ذلك كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا، وهو ما ذهب إليه شيخنا أبو جعفر في نهايته، وحكيناه عنه في خلاف نقض النذور (6).