صار قبولهما للألوان والأشكال أسرع وأشد روحانية وقربا من عالم الروحانيات.
وهذا أيضا باب يخفى على كثير ممن ينظر في دقائق العلوم إعماله وذلك لأن جوهر النفس له مراتب متفاوتة في اللطافة والكثافة.
وأدنى مراتب النفس في اللطافة هو أشد بكثير من لطافة جوهر النور المحسوس.
وأيضا والدليل على ذلك قبولها رسوم سائر المحسوسات والمتخيلات والمعقولات عند كونها في مراتب أنوار الحس والخيال والعقل على تفاوتها.
فلهذا صار الإنسان بالقوة المتخيلة يقدر أن يتخيل من الموجودات الخارجية ما لا يقدر عليه أن يدركها بالقوة الحساسة لأن هذه روحانية في عالم الغيب وتلك جسمانية في عالم الشهادة. لأنها يدرك محسوساتها في الجواهر الجسمانية من خارج وأما القوة المتخيلة فهي تصورها وتخيلها في الداخل والدليل على ذلك أفعال الصنائع البشرية المستنبطة أولا من الباطن فإن كل صانع يبتدي أولا يتفكر ويتخيل ويتصور في فهمه صورة المصنوع بلا حاجة إلى شيء من خارج كالمصالح والآلات والموضوعات المكانية والزمانية ثم يقصد بعد ذلك إلى هيولى ما في مكان ما في زمان ما وتحريكات ما فالصانع يخترع في صقع من خياله صورة الصناعة بلا حركة وتعب وإعياء ثم يتبع صورته التي في صقع خياله الصور التي هي في الموضوع الجسماني ففعلها الخاص الذي يصدر عنها ويقوم بها على وجه تكون عنها وفيها شيء واحد أي كونها فاعلة وقابلة له هما حيثية واحدة فيها هي أمور غيبية مستورة عن الحواس وعالمها غير هذا العالم الحسي لأن القوة الخيالية بمنزلة كوة إلى عالم الغيب كما أن الحواس الظاهر بمنزلة رواشن مختلفة إلى عالم الشهادة.
وقد مر مرارا أن اشتغال النفس باستعمال الحواس الظاهرة والقوة المتحركة يمنعها عن مشاهدة الصور الباطنية عيانا وإلا فتلك الصور أشد جلاء ووضوحا وأقوى جوهرا ووجودا من هذه الصور الحسية المغمورة في المواد المظلمة الجرمية.
هكذا قياس القوة العقلية بالنسبة إلى حقائق المعقولات فإن العقل الهيولاني لكونه ألطف المواد على الإطلاق يكون قياس الصور العقلية وسرعة انفعاله عنها وقبوله إياها هذا القياس وكذا نسبة لطافة تلك الصور وشرافتها وجلائها ظهورا ووضوحا وقوامها وتجوهرها قوة ووجودا فالإنسان