لا يلحقها عارض غريب لأن عروض كل عارض غير لازم لشيء يحتاج إلى قوة قابلة واستعداد سابق لحدوث ذلك العارض إما فيه كما في الأعراض والصور والنفوس الحالة في الأجسام أو معه كما في الصور المجردة ذاتا وجهة القوة راجعة إلى أمر يكون في ذاته قوة صرفة يتحصل بالصور المقومة له وما هو إلا الهيولى الجرمانية كما حقق في مظانه فيلزم من فرض تقدم النفس على البدن اقترانها به. وهذا الذي ذكرناه في هذا المقصد غير مبني على كون النفس الإنسانية متفقة بالنوع فهو أولى من البيان المبتني عليه وهو أن النفس الإنسانية لو كانت موجودة من قبل غير حادثة مع حدوث الأبدان لم يجز أن يكون متكثرة في ذلك الوجود ولا واحدة.
أما الأول فلأن تكثر الأشياء التي لها حد نوعي أو ماهية نوعية إما من جهة الماهية والصورة العقلية وإما من جهة تكثر الموضوعات أو المواد إما بذواتها كتكثر الصور الامتدادية الفلكية بسبب تكثر موادها بالذات أو بحسب عوارضها كثكثر الصور في المواد العنصرية المتعددة بسبب الأسباب العارضة الموجبة لاختلاف المواد في الأمكنة والأزمنة المختصة بكل واحد منها في حدوثه.
وإما من جهة الفاعل أو الغاية فإن علة تكثر كل شيء إما الصورة والماهية أو العنصر والمادة والفاعل أو الغاية لأن العلل منحصرة في أربعة والنفوس صورتها التي هي ذاتها وماهيتها واحدة لاتحادها في النوع وفاعلها أمر واحد وهو العقل الفعال فليس علة تقاسيمها وكذا الغاية أمر واحد لأنها هي تشبهها بالباري وعبوديتها إياه ومشاهدتها له عند فنائها عن ذاتها واندكاك جبل إنيتها وخرورها.
فإذن تكثرها ليس إلا من جهة قابل صورتها أو المنسوب إليه صورتها الذي هو في حكم قابل الماهية أعني البدن وقد فرضت مفارقة عنه متقدمة عليه هذا خلف. فثبت أن النفوس لو كانت موجودة بلا أبدان استحال أن يخالف نفس لنفس بالعدد وهذه قاعدة كلية في كل ما له حد نوعي ومعنى واحد طبيعي وقد تكثرت نوعيته بالأشخاص إنما تكثرها بالحوامل والقوابل المنفعلة عنها أو المنسوبة إليها.