وجود وقوة عدم وقد قررتم أن الأمر الوحداني الذي صورته ذاته من غير قابل ليس له قوة وجود وعدم فاعلم أن الإمكان وإن كان بمعنى واحد يقع على المبدع والكائن لا كما زعمه قوم من أن معنى الإمكان في المفارقات كونها بحيث عدمت متى عدمت علتها لأنه غير صحيح كما لا يخفى لكن الإمكان فيها ليس حال وجودها الخارجي بل حال ماهيتها بحسب اعتبارها من حيث هي هي معراة عن الوجود والعدم.
وهذا الاعتبار ليس مطابقا لما في نفس الأمر لأن ما في نفس الأمر هو الفعلية والوجوب لا القوة والإمكان فلا يوجب هذا التعري عن الوجود والعدم في هذه الملاحظة مع ضرورة التلبس بالوجود وفعليته بحسب الواقع التركيب الخارجي المنافي لبساطتها بل إنما يوجب أن يكون لها بحسب اعتبار العقل إياها معراة عن الوجود ومقابله شيئا شبيها بالمادة وهو المسمى بالماهية عند الحكماء التي لا فعلية لها بحسب ذاتها بذاتها من غير اعتبار الواقع كالهيولى الخالية عن الصور بحسب حالها الخارجي.
وبالجملة كون الشيء ذا ماهية قابلة للطرفين الوجود والعدم يوجب انقسام الذهني وكون الشيء ذا قوة الوجود والعدم بحسب الواقع يوجب انقسام الخارجي من مادة وصورة خارجيين.
فالجوهر المفارق عقلا كان أو نفسا إمكان ماهيتها لا يوجب كونه صورة لمادة خارجية إنما يلزم ذلك لو كان له قوة وجود وعدم في الواقع وقد علمت أنه ليس كذلك.
أما المفارقات العقلية فهي إبداعيات محضة غير متعلقة بغيرها لا في ذاتها ولا في فعلها.
وأما النفوس الناطقة فهي أيضا غير متعلقة الذات بغيرها فليس لذواتها قوة وجود ولا عدم بحسب القصد الأول وبالذات بل لتصرفاتها وأفاعيلها التدبيرية دون التعقلية قوة وجود وعدم في مواد أبدانها.
وتوضيح ذلك أن البدن لما استدعى بحسب قوته واستعداده لوجود نفس مدبرة له متصرفة فيه ويلزم من وجود مدبر في غيره وجود ذات ذلك المدبر في ذاته إذ الوجود الرابطي لا ينفك عن وجود الشيء في نفسه سواء كانا واحدا بعينه بالذات كما في العرض والصورة القائمة بالمحل فإن وجود