وأما المعية بينهما فلا يخلو إما أن يكون أمرا ذاتيا لهما أو أمرا عرضيا فإن كان الأول لزم أن يكون تصور كل منهما مع تصور الآخر وليس كذلك لأنهما ليسا من باب المضاف.
وإن كان الثاني ففساد أحدهما إنما يوجب فساد ما هو العارض للآخر من الإضافة إليه لا فساد ذات الآخر بذاته بل فساده من حيث هذا التعلق.
فالحق أن البدن ومزاجه علة للنفس بما هي نفس أي متعلقة وليست علة بالذات لجوهرية النفس وذاتها.
ووجه كونها علة بالعرض وشرطا لوجود النفس في ذاتها أن العلة الفائضة لو صدرت منها نفس لكان إما واحدا أو اثنين أو غيره من الأعداد إلى غير النهاية في كل لحظة وجميع هذا ممتنع إذ ليس عدد أولى من عدد فلا ترجيح في الأعداد ولو اقتصر على واحد فلا مخصص للواحد فإن إمكان الثاني منه كالأول فلما لم يترجح إمكان الوجود على إمكان العدم بقي العدم مستمرا إلى أن استعدت النطفة أن يكون آلة للنفس تشتغل بها فصار وجودها أولى من عدمها واختص عددها بعدد النطف المستعدة في الأرحام وهذا شرط لابتداء ترجيح الوجود على العدم فبعد الوجود يكون بقاؤه بعلته لا بالمرجح.
ومن سبيل آخر نقول: إن النفس المجردة لها وجود للبدن ولها وجود لذاتها والبدن علة قابلية لوجودها له لا لوجودها لذاتها اللهم إلا بالعرض. فإنه إذا حدثت مادة بدنية ذات كيفية مزاجية صالحة لأن يكون آلة للنفس ومملكة لها أحدث الباري الجواد باستخدام بعض الملائكة المقربين المفارقين عن عالم المواد والقوى بالكلية النفس الجزئية التي هي صورة للبدن ومبدأ لأفاعيل إنسية وأخلاق وتدابير بشرية مؤيدة بروح القدس لأن تلك التدابير لا يتم إلا بجوهر قدسي له تعقلات كلية.
فالبدن باستعداده يستدعي صورة مادية وجود المبدإ الواهب الفياض أفاض عليه كلمة عقلية ولطيفة ملكوتية فوق ما يستدعيه بلسان استعداده من باب الاستجرار والاستتباع فيكون البدن علة قابلية لجوهر النفس بالعرض لا بالذات.
وقد شبهوا البدن بشبكة يقتنص بها النفس المجردة التي هي من طيور سماوية