ذاتها وفعلية حقيقتها وقد خرجت به عقلا بالفعل والعائق لها عن مشاهدة الصور وظهور الكمالات ليس أمرا داخليا كما في القوابل التي لم يخرج من القوة إلى الفعل بل أمرا خارجيا احتجب به ذاتها الكاملة المستكملة عن ذاتها وهو اشتغالها بتدبير البدن وعادتها في الانجذاب إليه بحسب الفطرة الأولى دون الثانية فإذا ارتفع من حدقة إدراكها العقلي غبار البدن ووقع منها النظر إلى ذاتها وجدتها مستكملة بالمعقولات مشاهدة إياها متصلة بها متحدة معها ورأت ذواتا نورية وجمالا وحسنا وكمالا يستظلم عنده أنوار الشمسية الحسية ويستقبح لديه صور حور العين.
والغرض أن تسمية هذه المرتبة من النفس بالعقل بالفعل على الحقيقة بما ذكرنا.
ولهذا إذا اكتسبت صورة عقلية ثم أعرضت عنها بعائق من اشتغالها بشيء جسماني فإذا زال عنها العائق عادت مهما أرادت إلى تلك الصورة المستحفظة بنوع فعلي لا بنوع انفعالي.
وأما الجسم وقواه كالحواس وغيرها فلا يمكن عليه تزاحم صور مختلفة ولا استحفاظها بوجه من الوجوه.
ألا ترى أن الحواس لا يمكن أن يستحفظ في ذاتها صورة ويقبل أخرى ولا معاودتها إلى الصور وقبولها لها بنوع فعلي استكفاء بذاتها وما يتقوم به ذاتها بل بنوع انفعالي بمثل ما ينشأ منه ابتداء.
ومما يشهد بكون النفس غير ذات وضع بوجه أنها يتصور المقدار اللايتناهى والعدد والزمان والهيولى المجردة عن الصورة وأمثالها من الأمور التي إذا وجدت في الجسم الواحد المتصل يجعله بحال ينافي جسميته أو وجوده أو وحدته أو حاله التي هو عليها في نفس الأمر.
وأما كونه مستغنيا عن البدن في الوجود فإنما يثبت ذلك من استغنائه عن البدن في فعله فإن المستغني عن الشيء في فعله مستغن عنه في ذاته إذ الإيجاد متقوم بالوجود فإذا احتاج شيء إلى شيء في وجوده فلا بد أن يحتاج إليه في فعله إذ المحتاج إلى المحتاج إلى ذلك الشيء محتاج إلى ذلك الشيء فإذا ثبت استغناء الجوهر الناطق عن البدن في فعله ثبت استغناؤه عنه في الوجود.