جلست وخرجت وقمت ومشيت وهذه من خواص الأجسام.
وأجيب عن ذلك بأن هذه الأقوال ونظائرها كلها مجازات عرفية إذا حققت الحقائق وقام البرهان على تجرد النفس فليس لأحد أن يتمسك في اقتناص الحقائق بالألفاظ والتحاورات اللغوية مع أن الإشارات اللغوية والعبارات القولية لا يمكن أن يقع على الأمور العقلية الصرفة من غير محاكاة خيالية وممازجة تصويرات مثالية لا ينفك عن الوقوع على أوضاع الأجرام وحركات الأبدان.
وكما أن النفس يحتاج في وجودها إلى البدن للعلاقة المتأكدة فكذلك التعبير عن أحوال المعاني النفسية إنما يتأتى بألفاظ موضوعة لأحوال الجسم هذا.
واعلم أن حقيقة النفس ونحو وحدتها شيء غامض غفل عنها الأكثرون ولم يصل ولا يصل إلى غورها إلا الأقلون من أصحاب السلوك والرياضات.
وما أدركته الحكماء المشاؤون والفلاسفة الرواقيون في النفس من التجرد الصرف والطهارة عن البدن وأوصافه فهو صدق وصواب لكنه يرجع إلى تنزيه قوة من قواها بل مرتبة من مراتبها المسماة بالقوة العاقلة وهي مرتبة غيبتها عن البدن وقواه واتصالها بعالم القدس ورجوعها إلى جهة الوحدة وليست حقيقة النفس عند أرباب الذوق والشهود مجرد قوة عاقلة مباينة للأبدان منزهة عن الأجرام بل البدن عندهم كظل لنور النفس لا استقلال له في الوجود كما لا استقلال له في الحركة الإرادية.
وأما ما يتحرك بالحركة الطبيعية عند السقوط عن السطح فهو بالحقيقة خارج عن البدن من حيث هو بدن فإنه لطيفة جسمانية حارة هي متصرف فيها للنفس أولا وبالذات وهذا الكثيف الثقيل كأنه غلاف وقشر لهذا البدن وكأنه قد حصل من تكدر ذلك وتبرده وتكثفه فخرج بخروجه عن الاعتدال اللائق بتصرف النفس وطاعة لها لأجل ثقله وتبرده عن إطاعته لها وتصرف النفس وتسخيرها واستخدامها إياه ولأجل ذلك يتحرك بطبعه من غير إرادة النفس.
وأما اللطيفة التي هي عرش النفس التي يكون معرفتها مثال معرفة الرب فإنه تعالى منزه عن المثل لا عن المثال وما هو قواها وملكوتها المقربة لها التي هي نظائر