ملائكة الله تعالى الذين لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون فلا محالة تصرفها النفس وتحركها كيف يشاء.
وتلك القوى أيضا تأمر بأوامر وتنهى بنواهيها لا يستطيع لها خلافا ولا عصيانا إلا قوة واحدة يسمى بالوهم لها نصيب من الشيطنة ولهذا تتمرد من طاعة العقل كما تمرد إبليس من طاعة الحق.
ولنصرف عنان الكلام عن هذا الأسلوب الذي يكاد أن يخرج عن طور عقول الجمهور إلى ما كنا فيه وهو أن كل من زعم على أن هوية الإنساني ليست إلا جوهر عقله المجرد في ذاته عن مخالطة الأبدان وقواها المنزهة عن مزاولة الأجرام وخواصها فقد حددها ونظر إليها بعين عوراء وغفل عن كثير من تجلياتها وشؤونها ولوازم تنزلاتها وقد أخطأ وأساء الأدب وما رعاها حق رعايتها وهو عند نفسه يعتقد أنه قد تأدب معها إذ قد جردها عن التلوث بالبدن وأقذارها وكثافتها وما علم أن الجوهر النوري غير قابل للتلوث والتقذر ولا يؤثر فيها الأمور التي يؤثر في الجسم كما أن السواد مثلا إذا قارن جسما يجعله أسود وينفعل عنه ذلك الجسم وإذا قارن جوهرا عقليا لا يؤثر فيه ولا يجعله أسود فكذلك القوة العاقلة من الإنسان إذا تجسمت وصارت بدنا إنسانيا بعد ما نزلت إلى مرتبة القوى والحواس لم يقدح النقائص البدنية والأعراض الجسمية من الاستحالات والتغيرات والأمراض والآفات والكثائف والأقذار في نوريتها المحضة ونقاوتها الصرفة بل ينحفظ مع هذه التنزلات ذاتها وتجردها وعقليتها وتقدسها عن الأمكنة والأوضاع والاستحالات والتغيرات.
ثم إن حسن المعاشيق وشمائلها التي يتراءى في ظواهر أبدانهم وتجعل العقول ولها وحيارى وينقطع في محبتهم عنها الصبر والسكون ما تقول أهي مجرد أشكال وألوان وتخاطيط وصفحة ملساء بلا حقيقة النفس لا أظنك إن كنت من أهل الوجدان وسلامة الذوق في مرية من أن مجرد عوارض الجسم لا يمكن أن يفعل هذا النحو من الأثر والتسلط على باطن العقلاء لو لا أن الهوية النورية تنزلت عن مراتبها الروحانية