لا وضع لهما بالذات بل بلمحلهما وهما يتبعان له في وضعه بل يمتازان بحقيقتهما.
أ لا ترى أن كثيرا من السلوب والإضافات متفقة بين الواجب وبعض الممكنات وأيضا الفارق كثير فإن آلة العالم واحد والنفوس كثيرة وهي منفعلة عن الأبدان وغيرها والباري ليس له جهة انفعالية. وما من نفس إلا ويجهل أشياء كثيرة ويعجز عن أفعال كثيرة والواهب الحق ليس كذلك.
وليس الواجب تعالى بمجموع النفوس إذ قد برهن على امتناع تعدده وليست النفس في جميع الإنسان واحدة وإلا يعلم كل أحد ما علم الآخر وفعل كل ما فعله وإذ ليس التالي صادقا فليس المقدم صادقا.
لا يقال: إنما أدرك البعض أو فعل لرفع عائق هو مانع للبعض الآخر أو لوجود آلة أو مزاج لم يوجد في غيره.
لأنا نقول: الشيء الواحد في حالة واحدة لا يمنعه عائق عن شيء واحد بعينه وترفع عنه ذلك العائق معا فالذي عاقه العائق غير الذي ما عاقه العائق.
وكذا شيء واحد لا يصلح أن يكون آليا وغير آلي بالقياس إلى فعل واحد ولما ثبت وتحقق أن النفس ليست جسمية فلا يكون لها أطراف وأجزاء يكون بعضها بصفة أو حالة ولا يكون بعضها الآخر بتلك الصفة والحالة كجسم واحد يكون بعضه مطابقا لشيء وبعضه لشيء آخر.
وأيضا النفوس حادثة كما سنبرهن عليه والله قديم وبالجملة لا يلزم من عدم الامتياز في بعض الأشياء الخارجة الاتفاق في الحقيقة ولوازمها لجواز أن يكون الحقائق مختلفة. ومنها أنه إذا لم يكن مميز من مكان ووضع ومحل فلا فارق بينها وبين الواجب بالذات فالجميع واحد.
وجوابه أن المميزات لا ينحصر فيما ذكر فإن الأشياء مع اتفاقها في عرض قد يختلف بتمام حقائقها كطبيعة الجنس والفصل في نوع واحد وكالسواد والطعم في جسم فهما يمتازان لا بمحل ولا بمكان إذ لا مكان للعرض والمحل واحد ولا بوضع إذ لاوضع لهما بالذات بل بمحليهما وهما تابعان له في وضعه الواحد بل يمتازان بحقيقتهما.
وأما الذي ادعته أرباب المكاشفات الذوقية من وحدة الوجود المطلق وسريان حقيقة الحق في جميع الذوات والحقائق وظهورها في جميع المظاهر والمشاهد وتجليها على كل القوابل والمجالي فهو معنى آخر لا يمكن إدراكه بالأنظار البحثية والأبحاث الفكرية من دون الرجوع إلى طريقتهم في العلم والعمل والأعراض بالكلية عن عادات أرباب البحث والجدل.
ومع قطع النظر عن هذا يكون حقيقة كل شيء عبارة عن تعينه الخاص ومبدئيته لآثار مخصوصة وأفعال معلومة لا يتعداه.
وبذلك التحقيق الذي ذهبوا إليه لا يبطل أحكام الأشياء وخواصها والامتياز بين الحقائق والماهيات ومقوماتها وعوارضها اللازمة والمفارقة كما أن من ادعى من بعض أرباب الأرصاد الفلكية أن مجموع الأفلاك فلك واحد له نفس واحدة تحركه بحركة واحدة شرقية يتحرك بها جميع أجرام الفلكية والكوكبية ليس أنه يريد بذلك إبطال علم الهيئة ونفي تعدد الأفلاك وتخالف حركاتها سرعة وبطأ وتباين جهاتها وأوضاعها وتفاوت مقاديرها وكيفياتها وآثارها المتعينة وما يترتب عليها من اختلاف حال عنصريات وتكون المركبات من الجماد والنبات والحيوانات فحقيقة النفس الإنسانية ليست إلا كمال النوع الإنساني الذي تدرك الكليات بذاته والجزئيات بالآلات ولها الفكر والروية واستنباط العلوم والصنائع والتأثير عن الهيئة البدنية والتألم عما يتغير به مزاج البدن كما أن النفس الحيوانية حقيقتها ليست إلا مبدأ الإحساس والتحريك وكذا النفس النباتية حقيقتها ليست إلا ما يكون مبدأ الأفاعيل النباتية من التغذية والإنماء والتوحيد.
ولا شبهة في أن شيئا من هذه الحقائق ليست هي عين مبدأ العالم وواجب الوجود لكونها معرضة للحدوث والتغير والتعدد والنقص والانفعال والقصور والزوال والله تعالى منزه عن نقائص الإمكان ومثالب الحدثان.
ومنها أن النفوس متصفة بصفات الأجساد كقول القائل مشيرا إلى نفسه