يقوي الأخرى ويعينها على ما ينحو نحوه من خاص كماله أو يمسك عنه رأسا برأس ليحصل لها النظام في أمر حياته. والقوة الناطقة منها في واد وهي في واد أخرى لأنها مهما أرادت إلى تكميل جوهرها وتفعل فعلها الخاص من تعقل النظريات وإخلاص نية في التقرب إلى الإلهيات وامتناع عن مخالطة الشهوات ووساوس المفسدات من القوى المسخرة إياها في متابعتها ومشايعتها لم يتيسر لها ذلك إلا بمجاهدة تامة مغالبة عظيمة ليتمكن من ذلك.
فثبت أن هذا الجوهر النطقي من الإنسان من عالم آخر وقع غريبا في دار الجسد بيد الفسقة والظلمة والكفرة من القوى الشهوية والغضبية والوهمية.
ومن الشواهد أن كل صورة أو حالة حصلت في الجسم بسبب من الأسباب فإذا زالت عنه وبقي فارغا عنها يحتاج في حصولها ثانيا إلى استيناف السبب من غير أن يكتفي الجسم بذاته في استحصال تلك الحالة أصلا إذ فراغ الجسم القابل في الحالين بمرتبة واحدة وليس حال الجوهر الناطق في الصور العلمية الحاصلة لها هذه الحال إذ كثيرا ما يعرض له ما يزيل عنه تلك الصور ثم إذا زال العائق عادت من غير حاجة إلى السبب الحاصلة هي منه كحد أو برهان بل قد يكفي في استحضار تلك الصور بذاته.
وأيضا إن العلوم كلها لا يمكن أن يجتمع في دفتر واحد جسماني وأما النفس فإنما يجتمع علوما شتى وصنائع عديدة وأخلاقا مختلفة وآراء متفاوتة لأنها دفتر روحاني لا تتراكم فيها صور المعلومات كما يتراكم في الهيولى الجسمانية صور الماديات فليس بمحال على النفس الإنسانية تزاحم الأمور عليها والصور المعلومة فيها وربما تزول عنها هذه الأسباب الكمالية لإقبالها على شيء من الأمور العاجلة الدنياوية عند مرض أو شغل قلب أو غم بعرض لها ولا تزيل عنها هذه الأمور العارضة صورها الكمالية المستحفظة في ذاتها على الإطلاق ذخرا لها في اليوم الآخر.
وذلك لأجل أنها روحانية السنخ لطيفة الجوهر فهي يكون في ذاتها مخزونة بنوع قوة قريبة من الفعل بل هي موجودة فيما تعلقت به ذاتها من الجواهر القدسي والعقل الفعال الداخل في تجوهر