استكمل تشبيها بالعالم العقلي الذي هو صورة الكل عند الباري تعالى صارت قابلة لصورة الكل كما أن البارىء فاعل لها وذلك باتصالها بالعالم العقلي والكروبيين من الملائكة الذين هم أنوار وأشعة لجلاله تعالى بسبب فنائها عن ذاتها وعدم التفاتها بالأكوان إلا من جهة كونها رشحات لفيضه وجوده وتأكد علوقها بمبدأ صور الأشياء وتحيرها وهيمانها في عظمة خالق الأرض والسماء باندكاك جبل إنيتها فيرى بنور ربه الأعلى كل شيء صادرا عنه فأيضا من لدنه.
ولا ينظر إلى شيء من الأشياء نظرا استقلاليا يكون المنظور إليه في ذلك الشيء غير ذات الحق بل يراه كأنه ظل وشبه لا استقلال له في الحصول والكون.
فإن شئت يا حبيبي أن تصل إلى كعبة المقصود فانحر تقربا إليه حيوانيتك وأزل عنك وجودك وأمط أذى هويتك عن طريق الحق وهو أول درجات الإسلام الحقيقي كما أشير إليه في الحديث النبوي بقوله عليه وآله الصلاة والسلام: المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه.
فإن طريق الحق لا يتحمل ثقلك فضلا عن أثقالك وأوزارك وجودك ذنب لا يقاس به ذنب فإن المانع عن ظهور الحق لك وجودك وإنك ينازعك في شهودك الحق هويتك وإنك قد علمت أن تلبس القوة الاستعدادية بكل صورة ناقصة يمنعها عن التلبس بالصور الكاملة.
فالقوة الهيولانية الإنسانية كلما خلعت عنها صورة ناقصة تلبست بما هو أشرف منها وهكذا حال الإنسان من بدء الوجود إلى هذه المرتبة التي فيه كلما خلعت عن ذاته صورة تلبست بالأخرى وما لم يمت عن مرتبة أدنى لم يحصل لها درجة أخرى فوقها بل كان كل فساد منه يلزمه كون بإزائه وكل موت يخرج به عن نشأة تهيأ منه لحياة يدخل بها في نشأة أخرى أعلى منها إلى أن تبلغ إلى هذه الحالة فإذن ما لم يحصل لها قطع التعلق من جميع الصور الإمكانية وترك الالتفات إلى القيود النقصانية لم يتصور لها درجة المقربين والانخراط في سلك المهيمنين الفانين في عشق جمال الحق الأول بحيث لا يلتفتون إلى ذواتهم الكاملة بالحق الأول من حيث هي ذواتهم فضلا عن الالتفات بما دونهم.