وأما فيما ذكره رابعا فلأنا لا نسلم أنه إن كان إدراك المحسوسات ألما ولذة في بعض دون بعض كان ذلك ترجيحا من غير مرجح وهو إدراك النفس لذة الحواس الثلاث حيث ينفعل آلاتها عن محسوسها دون لذة الحاسين الباقيين لا كون تأثيرهما زمانيا لا آنيا على ما قيل لفساده كما مر.
قال: وأما العذر الذي ذكره عن الإمام في خروج الشيخ عن مذهبه في السمع والبصر فليس بشيء والشيخ لم يخرج عن مذهبه ليحتاج إلى عذر من جهته.
لكن لما كان اعتقاد الإمام وإن كان خطأ أن الشيخ يعتقد أن مدرك الجزئيات الحواس الخمس شرع في الاعتذار واعتذر بعذر هو أوهن من بيوت العنكبوت.
هذا تلخيص ما أفاده العلامة في هذا الموضع.
ولعمري إنه قد أصاب فيما أجاب عن إشكالات المسيحي وما بين به انحراف الإمام عن مسلك الحق فيما حسبه اعتذارا عما ذكره الشيخ.
وأمثال هذه التحقيقات التي يزاح بها ظلمات أوهام المضلين من المتفلسفين ليست غريبة عن مثله كما عن مثل أستاذه سلطان المحققين برهان الحكماء الإسلاميين عظم الله تعالى قدره وحشره في زمرة العقول المقدسين.
لكن في الفرق الذي ذكره هذا النحرير الخبير بين الحاستين الأوليتين والحواس الثلاث الباقية محل تأمل.
ثم على تقدير تحقق ذلك الفرق كان ينبغي أن يبلغ كلامه حد الإجداء ويذكر أن النفس من أي جهة ومعنى لم يدرك بعض المحسوسات حيث ينفعل آلة إدراكها ومن أي جهة ومعنى بعضها حيث ينفعل آلة إدراكها ليثبت به كون بعض آلات الحواس محلا للألم واللذة الحاصلتين عن محسوساتها دون البواقي منها.
وأنت إن أردت تحقيق القول في هذا المطلب على ما لا مزيد عليه فاستمع لما ألقى إلينا وقسم لنا من عالم الملكوت ومعدن الرحموت وهو أن مزاج الحيوان لما كان