حاصل الوجود كما علمت من جنس الكيفيات الأول وبقاء حياته منوط باعتدال مزاجه اللائق به الذي هو حد ما من حدود تلك الكيفيات وصلاح بدنه وفساده إنما يكونان بانحفاظ ذلك المزاج وانحرافه عن حد معين ولا شك أن اللذة هو إدراك الملائم من حيث هو ملائم والألم إدراك المنافي من حيث هو مناف والملائم لكل شيء ما يكون من نوعه أو جنسه وكذا المنافي لكل شيء إذا كان أمرا وجوديا ما يكون مضادا له واقعا معه تحت جنس قريب إذ لا تضاد بين الأجناس العالية.
فالملائم والمنافي للحيوان بما هو حيوان إنما هما من مدركات اللامسة أولا لكونها من جنس كيفيات بدنه المتقوم حياته بها ثم مدركات الذائقة التي يتقوى ويتزايد بها بدنه. (تتقوى ويتزيد خ ل).
وتالي الكيفيتين المذكورتين في الملائم والمنافر مدركات الشامة حيث يتغذى بها لطائف أعضاء الحيوان كالأرواح البخارية.
وأما مدركات السامعة والباصرة فليس مما يحتاج إليها الحيوان بما هو حيوان احتياجا قريبا لأن بدن الحيوان ليس مركبا من الأصوات ولا متقوما بالأضواء والألوان ليكون ما يكون من جنس الأصوات والألوان ملائما للحيوان بما هو حيوان.
اللهم إلا أن الحيوان الإنساني لما كان نفسه الناطقة التي هي من عالم الأنوار ومعدن المعاني والأسرار نازلا منه إلى عالم الصورة العنصرية بعد جوازه عالم الأفلاك المشتملة على النسب الشريفة العددية الإيقاعية والنغمية لذلك تلتذ عن رؤية الأنوار واستماع النغمات الموزونة وتتألم عن الظلمات والألوان الموحشة والأصوات المنكرة الغير الموزونة.
وأما تضرر العضو البصري عن الضوء الشديد فليس لأجل مضادته للنفس لأن نورية النفس أقوى من نورية النور المحسوس بل لأجل غلبة النور المحسوس على الحاسة البصرية فتنفعل عنه.
وكذا تضرر الصماخ عن الصوت الشديد المشتمل على التناسب العددي فليس إلا لأجل مصادمة الهواء المتحرك المنقلب عن القارع والقالع القويين الصماخ فهناك تألم لمسي كما ذكره الشيخ لا أن اللامسة تدرك الصوت أو السامعة