معنى عقلي لا يدرك بالحس.
فكيف جعلوا مبنى تعدد اللامسة على تعدد أنواع التضاد ثم إنهم جوزوا إدراك القوة الواحدة للمدركات المتضادة كالباصرة للسواد والبياض ولم يجعلوا ذلك أفعالا مختلفة من مبدأ واحد بالذات. فما الذي يمنع نظير ذلك في اللامسة ومن أسخف ما قيل في دفعه أن تباين الكيفيات الأول أعني الحرارة والرطوبة واليبوسة والبرودة أشد من تباين الكيفيات الثواني الحادثة من تفاعلها كالألوان والروائح والطعوم فلذلك تعددت قوى اللمس دون بواقي الحواس.
فالمخلص أن يقال لما علم أن مزاج الحيوان من جنس الكيفيات التي هي أوائل المحسوسات اللمسية وما يتبعها وأن القوة التي هي أولى مراتب الحيوانية يجب أن تكون بحيث يتأثر بسببها الحيوان عن أضداد ما فيه من الكيفيات الأولية وتوابعها فالحيوان من حيث هو حيوان باعتبار وقوعه في كل وسط من أوساط تلك الكيفيات يدرك الأطراف التي يكون ذلك الوسط وسطا بالقياس إليها وتلك أطرافا بالقياس إليه ويتأثر عنها.
فلا محالة تعددت اللامسة بحسب تعدد التضاد ولا يتعدد بحسب تعدد الأطراف التي وقعت في جنس واحد.
لأن القوة لا تتأثر من الكيفية الشبيهة بكيفيتها بل بما يضادها في الجملة.
وهذا معنى قولهم بحكومة اللامسة في التضاد بين الكيفيات.
وكذا الحال في إدراك الباصرة للسواد والبياض فإنها لخلوها عن اللون مع قوة قابلة لها إياها تتأثر من كل مرتبة من مراتب اللون.
واللامسة وإن لم تخل من كيفية ملموسة إلا أن اعتدالها وتوسطها بين الأطراف بمنزلة الخلو عنها فيتأثر عن كل مرتبة من مراتب الكيفيات الأولى سوى الكيفية الوسطية التي تتصف بها الحيوان ويندر وجودها في غير الحيوان.
فكل واحدة من الحواس لها نوع واحد من الأثر وهو الانفعال عن كيفية متضادة لها.