سبعة أملاك والحنطة أيضا يحتاج إلى أن يطحن أولا ثم إلى أن يميز عنه النخالة ويدفع عنه الفضلة ثانيا ثم إلى أن يصب الماء عليه ثالثا ثم إلى أن يعجن رابعا ثم إلى أن يقطعه كرات مدورة خامسا ثم إلى أن يرغفها رغيفا سادسا ثم إلى أن يلصقها بالتنور سابعا فهلا كانت أفعال الملائكة باطنا كأفعال الأنس ظاهرا.
فاعلم أن خلقة الملائكة يخالف خلقة الإنس وما من واحد منهم إلا وهو وحداني الصفة ليس فيه خلط وتركيب البتة فلا يكون لكل واحد إلا فعل واحد وإليه الإشارة بقوله سبحانه وتعالى: و ما منا إلا له مقام معلوم. فلذلك ليس بينهم تنافس وتقابل بل مثالهم في تعيين مرتبة كل واحد وفعله عليه مثال الحواس الخمس فإن البصر لا يزاحم السمع في إدراك الأصوات ولا السمع يزاحم البصر في إدراك الألوان ولا الشم يزاحمهما ولا هما يزاحمان الشم.
وليس كاليد والرجل فإنك قد تبطش بأصابع الرجل بطشا ضعيفا فيزاحم به اليد وقد تضرب غيرك برأسك ويزاحم اليد التي هي آلة الضرب.
ولا كالإنسان الواحد الذي يتولى بنفسه الطحن والعجن والخبز فإن هذا نوع من الاعوجاج والعدول عن العدل سببه اختلاف صفات الإنسان ودواعيه فإنه لم يوجد وحداني الصفة والداعية فلم يكن وحداني الفعل ولذلك ترى الإنسان يطيع الله تعالى تارة ويعصيه أخرى لاختلاف صفاته ودواعيه وذلك غير ممكن في طبائع الملائكة بل هم مجبولون على الطاعة لا مجال للمعصية في حقهم فلا جرم لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون يسبحون الليل و النهار لا يفترون والراكع منهم راكع أبدا والساجد منهم ساجد أبدا والقائم منهم قائم أبدا لا اختلاف في أفعالهم ولا فتور لكل واحد منهم مقام معلوم وطاعتهم الله تعالى من وجه يشبه طاعة طرفك لك فإنك مهما جزمت الإرادة بفتح الأجفان لم يكن للجفن الصحيح تردد واختلاف في طاعتك مرة ومعصيتك أخرى بل لا يستطيع خلافا لك ولا عصى لأمرك ولكن