وصوله إلى سعادة الأبد. وللعقل جند إلهي هو العلم والحكمة وحقه أن يستعين بهذا الجند لأنه ضرب الله على الجندين الأخيرين الملتحقين بحزب الشيطان الذي هو القوة الوهمية.
فإن من ترك الاستعانة به كما هو حال أكثر الناس من أعداء الحكمة فقد سلط على نفسه الغضب والشهوة فهلك يقينا وخسر خسرانا مبينا. وإني مدة عمري هذا وقد بلغ إلي أربعين ما رأيت أحدا من المعرضين عن تعلم الحكمة إلا وقد غلب عليه حب الدنيا والرئاسة فيها والإخلاد إلى الأرض وقد صار عقله مسخر الشهوة في استنباط الحيل للوصول إلى المستلذات الجسمانية.
والحاصل أنه لا يبعد من الصواب أن لو اعتقد أحد أنه يكون في هذا العالم الدنياوي مؤثران قادران نفسانيان خلقا بإيجاد الله تعالى إياهما بحسب العناية السابقة والقضاء الإلهي لأجل مصالح العباد ونظام العالم على الوجه الذي حققناه من بيان تعلق العلم السابق بالأشياء فيكون أحدهما خيرا يفعل الخير ويلهم العقول بفعل الطاعات والخيرات والثاني شريرا يفعل الشر ويوسوس النفوس الوهمانية بفعل المعاصي والشرور.
وقد روي عن رسول الله ص: أن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشرور وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله تعالى فليحمد الله تعالى ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ثم قرأ: الشيطان يعدكم الفقر و يأمركم بالفحشاء.
فإن قلت: فكيف يتمثل الملك أو الشيطان لبعض الناس دون بعض فإذا رأى صورة أحدهما فهو صورته الحقيقية أو هو مثال يتمثل به وإن كانت صورته الحقيقية فكيف يرى بصور مختلفة وكيف يرى في وقت واحد في مكانين على صورتين فاعلم أن الملك أو الشيطان لهما صورتان هما حقيقتا صورتهما ولا يدرك صورتهما بالمشاهدة إلا بأنوار النبوة فما رأى النبي ص جبرئيل في صورته إلا