بما عليه الوجود من الأشياء الكلية والجزئية الواقعة في النظام الكلي على الوجه الكلي المقتضي للخير والكمال على وجه الرضا المؤدي وجود النظام على أفضل ما في الإمكان أتم تأدية ومرضيا بها عنده تعالى.
وعلى رأي من لا يثبت صورا في ذاته تعالى زائدة عليه كالرواقيين وأصحابهم سيما الشيخ الإلهي في حكمة الإشراق كون ذاته تعالى بحيث يفيض عنه صور الأشياء المعقولة له مشاهدة عنده مرضيا لديه.
فليس لها محل بل هو علم بسيط قائم بذاته مقدس عن شائبة كثرة وتفصيل محيط بجميع الأشياء خلاق للمعلوم التفصيلية التي بعده وهي ذوات الأشياء الصادرة عنه تعالى بطبائعها وشخصياتها على أنها عنه لا على أنها فيه.
والقضاء عبارة عن وجود الصور العقلية لجميع الموجودات بإبداع البارىء إياها في العالم العقلي على الوجه الكلي بلا زمان.
والقدر عبارة عن ثبوت صور جميع الموجودات في عالم النفس على الوجه الجزئي مطابقة لما في موادها الخارجية الشخصية مستندة إلى أسبابها وعللها واجبة بها لازمة لأوقاتها المعينة.
ويشملها العناية الأولى الإلهية شمول القضاء للقدر والقدر لما في الخارج. إلا أن العناية لا محل لها على ما هو التحقيق ولكل من القضاء والقدر محل ومحلاهما القلم واللوح.
وبيان ذلك أن عناية البارىء اقتضت أول ما اقتضت جوهرا قدسيا يسمى بالقلم الأعلى والعقل الأول والروح الأعظم والملك المقرب والممكن الأشرف كما وردت به الأحاديث النبوية ونطقت به الحكمة الإلهية.
وبتوسطه جواهر قدسية وأجراما سماوية مع نفوسها وعناصر جسمانية مع قواها الطبيعية على ما أشير إليه في كتب الحكمة وسيجئ في هذا الكتاب أيضا.
وتلك العقول القدسية أنوار قاهرة مؤثرة فيما تحتها من النفوس والأجرام بتأثير الله تعالى.
فقاهريتها التي هي تأثيرها في غيرها ظل لقاهريته تعالى وأثر من آثار جلاله وقدرته.
كما أن نوريتها التي لا تزيد على ذواتها لمعة من لمعات وجهه وجماله.
وبهذا الاعتبار يسمى الملائكة المقربين وعالمها عالم