الوقت ما يصادفهم من تصريف الحق لهم دون ما يختارون لأنفسهم وقيل الوقت ما يقتضيه الحق ويجريه عليك وقيل الوقت مبرد يسحقك ولا يمحقك وقيل الوقت كل ما حكم عليك ومدار الكل على أنه الحاكم ومستند الوقت في الإلهية وصفه نفسه تعالى إنه كل يوم في شأن فالوقت ما هو به في الأصل إنما يظهر وجوده في الفرع الذي هو الكون فتظهر شؤون الحق في أعيان الممكنات فالوقت على الحقيقة ما أنت به وما أنت به هو عين استعدادك فلا يظهر فيك من شؤون الحق التي هو عليها إلا ما يطلبه استعدادك فالشأن محكوم عليه بالأصالة فإن حكم استعداد الممكن بالإمكان أدى إلى أن يكون شأن الحق فيه الإيجاد ألا ترى أن المحال لا يقبله فأصل الوقت من الكون لا من الحق وهو من التقدير ولا حكم للتقدير إلا في المخلوق فصاحب الوقت هو الكون فالحكم حكم الكون كما قررنا في ظهور الحق في أعيان الممكنات بحسب ما تعطيه من الاستعداد فتنوعه بها وهو في نفسه الغني عن العالمين ولما كانت أذواق القوم في الوقت تختلف لذلك اختلفت عباراتهم عنه والوقت حقيقة كل ما عبروا به عنه وهكذا كل مقام وحال ليس يقصدون في التعبير عنه الحد الذاتي وإنما يذكرونه بنتائجه وما يكون عنه مما لا يكون إلا فيمن ذلك المقام أو الحال نعته وصفته فمن أحكامه فيهم وفي غيرهم أن الله قد رتب لهم أمورا معتادة يتصرفون فيها بحكم العادة مما لا جناح عليهم فيها أو مما قد اقترن به خطاب من الحق بأنه قربة فيختارون لأنفسهم فعل ذلك على جهة القربة إن كان من القرب أو على كونه مرفوع الحرج فيصادفهم من الحق أمر لم يكن في خاطرهم ولا اختاروه لأنفسهم فيعلمون إن الوقت أعطى ذلك الأمر وأن الله اختاره لهم فإنه القائل وربك يخلق ما يشاء أي يقدر ويوجد ثم قال ويختار ونفى أن تكون لهم الخيرة فقال ما كان لهم الخيرة وعندنا إن ما هنا اسم وهو في موضع نصب على أنه مفعول بقوله ويختار الذي كان لهم الخيرة يعني فيه فإذا علم العبد ذلك سلم الحكم فيه لله واستسلم وكان بحكم وقت ما يمضيه الله فيه لا بحكم ما يختاره لنفسه في المنشط والمكره ويرى أن الكل له فيه خير فيعامله الله في كل ذلك بخير فإن كان وقته يعطي نعمة وكان عقده مع الله مثل هذا رزقه الشكر عليها والقيام بحق الله فيها وأعين عليها وإن كان بلاء رزق الصبر عليه والرضاء به وجعل الله له مخرجا من حيث لا يحتسب كرجل يريد أن يسبح الله مائة ألف تسبيحة فيحتاج إلى زمان طويل في ذلك مع ما فيه من التعب والتفرع إليه من الحضور فيعثر على خبر صدق أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل قول الإنسان سبحان الله عدد خلقه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله رضاء نفسه سبحان الله مداد كلماته ثلاث مرات والحمد لله مثل ذلك والله أكبر مثل ذلك ولا إله إلا الله مثل ذلك أفضل مما أراده هذا العبد فقال هذا القول الذي جاءه بحكم المصادفة وإن لم يكن عنده منه خبر وترك ما كان يريد أن يذكره وعلم إن الذي اختار الله له بهذا التعريف في هذا الوقت أعظم مما اختاره لنفسه وقد وقع هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عجوز مر عليها والحديث مشهور فإذا اقتضى الحق أمرا وكان له بك عناية أجراه عليك ورزقك القيام بحقه فالعاقل من أهل الله من يرى أن الخير كله الذي يكون للعبد هو فيما اقتضاه الحق فيما شرع لعباده وبعث به رسوله صلى الله عليه وسلم فمن استعمله الله في اقتضاء الحق المشروع فما بعد عناية الله به من عناية لمن عقل عن الله فالوقت المعلوم من جانب الحق هو عين ما خاطبك به الشرع في الحال فكن بحسب قول الشارع في كل حال تكن صاحب وقت وهو علامة على أنك من السعداء عند الله وهذا عزيز الوجود في أهل الله هو لآحاد منهم من أهل المراقبة لا يغفلون عن حكم الله في الأشياء وهنا زلت أقدام طائفة من أهل الحضور مع الله في كل شئ فهم لا يغفلون عن الله طرفة عين ولكنهم يغفلون عن حكم الله في الأشياء أو في بعضها أو أكثرها فمن لم يغفل عن حكم الله في الأشياء فما غفل عن الله فقد جمعوا بين الحضور مع الله ومع حكمه فهم أكثر علما وأعظم سعادة وهم أصحاب الوقت الذي يعطي السعادة وبعض رجال الله علم إن الله لا يعدم الأشياء القائمة بأنفسها بعد وجودها ولا يتصف بإعدام أحوالها ولا أعراضها بعد وجودها وإنما الأشياء تكون على أحوال فتزول تلك الأحوال عنها فيخلع الله عليها أحوالا غيرها أمثالا كانت أو أضدادا مع جواز إعدام الأشياء بمسكه الإمداد بما به بقاء أعيانها لكن قضى القضية أن لا يكون الأمر إلا هكذا ولذلك قال إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ولكن ما فعل فإن الإرادة والمشيئة ما تحدث له إذ ليس محلا للحوادث فمشيئته
(٥٣٩)