إن التجلي بالأسماء يحكمها * وذلك الحكم من أعلى توليه إذا تدلى إلى أمر يعن له * كان الدنو إلينا في تدليه لما تلقاه قلبي في منازله * كان الترقي به إلى تجليه اعلم أن الذوق عند القوم أول مبادي التجلي وهو حال يفجأ العبد في قلبه فإن أقام نفسين فصاعدا كان شربا وهل بعد هذا الشرب ري أم لا فذوقهم في ذلك مختلف فيه وقد ذكر عن بعضهم أنه شرب فارتوى نقل عنه ذلك ونقل عن أبي يزيد أن الري محال وكل نطق بحاله ولكل صاحب قول وجه عندنا صحيح في الطريق وعندنا في هذه المسألة تفصيل يرد إن شاء الله فيما بعد في باب الشرب أو الري أو في باب عدم الري إن ذكرنيه الله فابحث عليه في آخر هذه الأبواب من هذا الكتاب اعلم أن قولهم أول مبادئ التجلي إعلام أن لكل تجل مبدأ هو ذوق لذلك التجلي وهذا لا يكون إلا إذا كان التجلي الإلهي في الصور أو في الأسماء الإلهية أو الكونية ليس غير ذلك فإن كان التجلي في المعنى فعين مبدئه عينه ما له بعد المبدأ حكم يستفيده الإنسان بالتدريج كما يستفيد معاني تلك الصورة المتجلي فيها أو معاني الأسماء كلها كل اسم منها فيرى في المبدأ ما لا يراه من ذلك الاسم بعد ذلك وصاحب المعنى مبدأ كل شئ عينه فلا يستفيد منه بعد هذه الإفادة الكلية فله التفصيل في التعبير عن ذلك الأمر الواحد وهو المراد بقولنا في صدر هذا الكتاب حتى بدت للعين سبحة وجهه * وإلى هلم لم تكن إلا هي فكان مبدؤها عينها وكل ما نأتي به بعد ذلك في جميع كلامنا إنما هو تفصيل لذلك الأمر الكلي تتضمنه تلك النظرة في تلك العين الواحدة وأكثر الناس على خلاف هذا الذوق ولهذا لا ينتظم كلامهم ويطلب الناظر فيه أصلا يرجع إليه جميع أقوالهم فلا يجد وكلامنا مرتبط بعضه بعضه لأنه عين واحدة وهذا تفصيلها ويعرف ما قلناه من يعرف مناسبة آي القرآن في نسق بعضها إلى بعض فيعرف الجامع بين الآيتين وإن كان بينهما بعد ظاهر فذلك صحيح ولكن لا بد من وجه جامع بين الآيتين مناسب هو الذي أعطى أن تكون هذه الآية مناسبة لما جاورها من الآيات لأنه نظم إلهي وما رأينا أحدا ذهب إلى النظر في هذا إلا الرماني من النحويين فإن له تفسير للقرآن أخبرني من وقف عليه أنه نحا في القرآن هذا المنحي وما وقفت عليه لكني رأيت بمراكش ببلاد المغرب أبا العباس السبتي صاحب الصدقات يسلك هذا المسلك وفاوضته فيه وكان من أصحاب الموازين ثم اعلم أن الذوق يختلف باختلاف التجلي فإن كان التجلي في الصور فالذوق خيالي وإن كان في الأسماء الإلهية والكونية فالذوق عقلي فالذوق الخيالي أثره في النفس والذوق العقلي أثره في القلب فيعطي حكم أثر ذوق النفس المجاهدات البدنية من الجوع والعطش وقيام الليل وذكر اللسان والتلاوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله ورمى ما تملكه اليدان كان وحده لا تكون له عائلة ولا شيخ فإن كان بين يدي شيخ معتبر يربيه فيرمي ما بيده بين يدي ذلك الشيخ ويخرج عنه بالكلية ظاهرا وباطنا ولا يبقى له ملكا وإن كره ذاك بباطنه لضعفه أو أدركته فيه مشقة فلا ينظر بإخراج ذلك من يده الالتذاذ بذلك بل إذا أخرجه عن مشقة أخرجه بنظر صحيح ثابت لا يتمكن له في نفسه إزالة ما نواه في ذلك وإذا أخرجه عن يده بلذة فما أخرجه بعقله فإن ارتفعت اللذة يمكن أن يدركه الندم بخلاف الكاره فإنه إذا أخرجه مع الكرة ثم بدا له في نفسه بالعناية الإلهية ما أزال الكرة عنه انتقل إلى حالة الالتذاذ بذلك فهو أثبت في المقام وهكذا كان خروجنا عما بأيدينا ولم يكن لنا شيخ نحكمه في ذلك ولا نرميه بين يديه فحكمنا فيه الوالد رحمه الله لما شاورناه في ذلك فإنا تركنا ما بأيدينا ولم نسند أمره إلى أحد لأنا لم نرجع على يد شيخ ولا كنت رأيت شيخا في الطريق بل خرجت عنه خروج الميت عن أهله وما له فلما شاورنا الوالد وطلب منا الأمر في ذلك حكمناه في ذلك ولم أسأل بعد ذلك ما صنع فيه إلى يومي هذا هذا ما يعطي حكم ذوق النفس ولا بد منه لكل طالب وأصله إتيان أبي بكر بجميع ما يملكه إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين قال له ائتني بما عندك وأتاه عمر بشطر ما له فإنه صلى الله عليه وسلم ما حد لهم في ذلك ولو حد لهم في ذلك ما تعدى أحد منهم ما حده له رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما
(٥٤٨)