ما يقتضيه الأمر في نفسه ويأتي الخبر الإلهي عن الله لصاحب هذا المقام بنعوت المحدثات إنها نعت لله فيأبى قبولها على هذا الوجه لأنه في سكرة دليله وبرهانه فيرد ذلك الخبر لما يقتضيه نظره مع جهله بذات الحق وهل تقبل هذا النعت أو لا تقبله بل تخيل أنها لا تقبله فيمد رجله هذا العقل لسكره في غير بساطه فوقع في الحق بسكره ويعذره الحق في ذلك لأن السكران غير مؤاخذ بما ينطق فجرد عن الله ما نسبه الحق لنفسه فإذا صحا هذا العاقل عن سكره بالإيمان لم يرد الخبر الصدق والقول الحق وقال إن الحق أعلم بنفسه وبما ينسبه إليه من العقل فإن العقل مخلوق والمخلوق لا يحكم على الخالق فإنه ما من مصنوع إلا ويجهل صانعه فإن الشقة تجهل صانعها وهو الحائك كذلك الأركان مع الأفلاك وكذلك الأفلاك مع النفس والنفس مع العقل وكذلك العقل مع الله وغاية ما علم من علم منهم افتقاره إليه واستناده في وجوده إلى صانعه ولا يحكم عليه بشئ ولا سيما إن أخبر الصانع عن نفسه بأمور فليس للمصنوع إلا قبولها فإن ردها فلسكر قام به فخمره الذي يشرب إنما هو دليله وبرهانه ويقويه على ذلك ما تعطيه بعض الأخبار الإلهية من النعوت في حقه الموافقة لبرهانه ودليله فهذا سكر عقلي فالسكر الطبيعي سكر المؤمنين والسكر العقلي سكر العارفين وبقي سكر الكمل من الرجال وهو السكر الإلهي الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم زدني فيك تحيرا والسكران حيران فالسكر الإلهي ابتهاج وسرور بالكمال وقد يقع في التجلي في الصور سكر بحق قال بعضهم وأسكر القوم دور كأس * وكان سكرى من المدير فمن أسكره الشهود فلا صحو له ألبتة وكل حال لا يورث طربا وبسطا وإدلالا وإفشاء أسرار إلهية فليس بسكر وإنما هو غيبة أو فناء أو محق ولا يقاس سكر القوم في طريق الله على سكر شارب الخمر فإنه ربما أورث بعض من يشربه غما وبكاء وفكرة وذلك لما يقتضيه مزاج ذلك الشارب ويسمونه سكران ومثل هذا لا يكون في سكر الطريق وقليل من الناس من يفرق بين الحيوان والسكران وعندنا في العلم الطبيعي أن شارب الخمر إذا أورثه غما وبكاء وحزنا وفكرة وإطراقا لما يقتضيه طبعه ومزاجه فليس بسكران ولا هو صاحب سكر فإن بعض الأمزجة لا تقبل السكر ولا أثر له فيها فغيبة السكران ليست عن إحساسه وإنما غيبته عن مقابل الطرب لا غير ونظير هؤلاء الذين لا يطربون نظير أصحاب الفكرة والغيبة والفناء ويفارق السكر سائر الغيبات لأن الصحو لا يكون إلا عن سكر والسكر يتقدم صحوه وليس الحضور مع الغيبة كذلك ولا الفناء مع البقاء كذلك لكنه مثل الصعق مع الإفاقة والنوم مع اليقظة فإن النوم مقدم على الانتباه والغشية متقدمة على الإفاقة وإنما ذكرنا هذا التفصيل من أجل مذهبهم في حد السكر أنه غيبة بوارد قوي فأطلقوا عليه اسم الغيبة فيتخيل من لا ذوق له أن حكمه حكم الغيبة فيقيس فيخطئ في تربيته للمريد إن كان من المتشيخين فيلتبس عليه الأمر فلا يفرق في حال المريد بين سكره وغيبته وفنائه والسكران في هذا الطريق لا يغيب عن إحساسه فإن غاب كما يراه الحنفيون في سكر شارب الخمر فقد انتقل عندنا من حال السكر إلى حال فناء أو غيبة أو محق ولم يعقب سكره صحو بل انتقل من حال سكر إلى حال فناء أو غيره من الأحوال المغيبة عن بعضه أو كله ولا يتخيل أن السكر لما كان على هذه المراتب المتميزة أنه يمكن أن يكون لصاحب هذه الحال سكران أو يجمعها كلها لما هو عليه من الحقائق كما قررنا في بعض المسائل من جمع الإنسان لأمور كثيرة لحقائق تطلبها منه ولا سيما وقد أنشد بعض من أسكره الخمر والهوى فقال سكران سكر هوى وسكر مدامة * فتى يفيق فتى به سكران فأخبر أنه قام به سكران وسكر هل الله ليس كذلك فإن المعرفة تمنع منه فإن السكران الإلهي لا يتمكن أن يكون له السكر العقلي فإن الشهود يمنع من ذلك والسكران بالسكر العقلي لا يتمكن له أن يتمكن منه السكر الطبيعي فإن دليله ينفيه فإنه إذا كان يرد حكم السكر الإلهي فكيف يقبل حكم السكر الطبيعي وإنما السكران من أهل الله يرتقي في سكره من سكر إلى سكر لا يجمع بينهما مثل ما قال هذا الشاعر وما استشهد به في الطريق إلا صاحب قياس لا صاحب ذوق فمن أسكره السكر الطبيعي ثم جاءه السكر العقلي فإن السكر الطبيعي يفارق المحل بالضرورة ويزول حكمه عن صاحبه وما هو الأمر في هذه الإسكارات بالتدريج قد يوهب الإنسان السكر ابتداء أعني السكر الإلهي فلا يمكن أن يكون له ذوق السكر
(٥٤٥)