عن الطريق وانجبر إليه بعد ما انكسر خاطره وخاف الفوت وبلسان أعطى كل شئ خلقه ثم هدى أي بين أنه أعطى كل شئ خلقه ففرق بين قوله وأغلظ عليهم وقوله له بعينه فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك وقال لموسى وهارون فقولا له قولا لينا ليقابل به غلظة فرعون فينكسر لعدم المقاوم إذ لم يجد قوة تصادم غلظته فعاد أثرها عليه فأهلكته بالغرق فباللين هلك فرعون فأعطى كل شئ خلقه في وقته فيحدث نشأة الإنسان مع الأنفاس ولا يشعر وهو قوله تعالى وننشئكم فيما لا تعلمون يعني مع الأنفاس وفي كل نفس له فينا إنشاء جديد بنشأة جديدة ومن لا علم له بهذا فهو في لبس من خلق جديد لأن الحس يحجبه بالصورة التي لم يحس بتغييرها مع ثبوت عين القابل للتغيير مع الأنفاس وبلسان طلب الاستقامة في المزاج ليصح نظر العقل في فكره ومزاج الحواس فيما تنقل إليه ومزاج القوي الباطنة فيما تؤديه من الأمور للعقل فإنه إذا اختل المزاج ضعفت الإدراكات عن صحة النقل فنقلت بحسب ما له انتقلت فكانت الشبه والمغالط فعقل العقل للجهل علما فيصير العدم وجود أو بلسان إزاحة الأمور التي توجب عدم المواصلة والمراسلة ففي الحضرة الأولى أربعة مجالس مما تشاكل ما ذكرناه ومثلها في الثانية والرابعة وأما في الحضرة الثالثة من هذه المجالس فثلاثة وفي الخامسة اثنان وفي السادسة واحدة على هذه المشاكلة لكن في كل حضرة فنون مختلفة ولكن لا تخرج عن هذا الأسلوب وأما مجالس الراحات في الحضرة الأولى والثانية والرابعة هي ستة مجالس فيها أحاديث معنوية عن مشاهدة كما قيل تكلم منا في الوجوه عيوننا * فنحن سكوت والهوى يتكلم وكما قلنا في هذا الشكل والهوى بيننا يسوق حديثا * طيبا مطربا بغير لسان وهي المجالس التي بين الضدين يحصل منها علم لاعتماد والكشف عن الساق والبرزخ الذي بين الضدين كالفاتر بين الحار والبارد وكالإسماع بين المخافتة والجهر وكالتبسم بين الضحك والبكاء وكل ضدين بينهما برزخ لا يبغيان فبأي آلاء ربكما تكذبان فهو مجلس راحة وليس بين النفي والإثبات برزخ وجودي فصاحبه ينقطع في الحال لأحد الطرفين لأنه لا يجد حيث يستريح فالبرازخ مواطن الراحات ألا ترى أن الله جعل النوم سباتا أي راحة لأنه بين الضدين الموت والحياة فالنائم لا حي ولا ميت فأمثال هذه العلوم هي التي يقع بها الحديث لهم ونجواهم وفي الحضرة الثالثة والخامسة مجلس واحد في كل حضرة والحضرة السادسة لا مجلس فيها من مجالس الراحة وأما مجالس الفصل بين العبد والرب فقد ذكرنا من حديثه طرفا آنفا في السؤال الرابع من هذه السؤالات وأما لحضرة السادسة والخامسة فليس فيهما من هذه المجالس مجلس البتة وأما مجالس الفصل الثاني بين العبد والرب فهي ستة مجالس لا سابع لها في كل حضرة من الست مجالس واحد يفصل به بين العبد والرب من حيث ما هو العبد عبد ومن حيث ما هو الرب رب ومجالس الفصل الأول بين العبد والرب من حيث ما هو عبد لهذا الرب ومن حيث ما هو رب لهذا العبد فهو فصل في عين وصل وهذه المجالس الأخر فصل في فصول لا وصل فيها فيحصل له ما يشاء كل هذا الفن من العلم الإلهي إذ كنت لا تعلمه إلا من نفسك ولا تعلم نفسك إلا منه فهو يشبه الدور ولا دور بل هو علم محقق وأما الاثنا عشر مجلسا التي يراها الترمذي الحكيم صاحب هذه السؤالات وبها تكمل الثمانية والأربعون من المجالس فإن الأرواح العلوية لا تعلمها وليس لها فيها قدم مع الله وهي مخصوصة بنا من أجل الدعوى فإذا تجسدت الأرواح العلوية تبعت الدعوى جسديتها فربما تدعى فإن ادعت ابتليت وفي قصة آدم والملائكة تحقيق ما ذكرناه فابتليت بالسجود جبرا لما أخذت من طهارتها الدعوى فكان ذلك للملائكة كالسهو في الصلاة للمصلي فأمر المصلي أن يسجد لسهوه كذلك أمرت الملائكة أن تسجد لدعواها فإن الدعوى سهو في حقها فكان ذلك ترغيما للدعوى لا لهم كما كان سجود السهو منا ترغيما للشيطان لا لنا فاعلم ذلك فأما هذه المجالس الاثنا عشر فستة منها تلتحق بالمجلس الذي بين المثلين والستة الباقية تلتحق بمجالس الفصل الثاني بين العبد من حيث ما هو عبد وبين الرب من حيث ما هو رب لكن تختلف الأذواق في ذلك
(٤٦)