إنما يأخذه برجله لأنه لا يد له وجناحه لا يتمكن له الأخذ به فلذلك علق الرؤيا برجله فهي المعلقة وهي عين الطائر فإذا عبرت سقطت لما قيلت له وعند ما تسقط ينعدم الطائر لأنه عين الرؤيا فينعدم بسقوطها ويتصور في عالم الحس بحسب الحال التي تخرج عليه تلك الرؤيا فترجع صورة الرؤيا عين الحال لا غير فتلك الحال إما عرض أو جوهر أو نسبة من ولاية أو غيرها هي عين صورة تلك الرؤيا وذلك الطائر ومنه خلقت هذه الحالة ولا بد سواء كانت جسما أو عرضا أو نسبة أعني تلك الصورة كما خلق آدم من تراب ونحن من ماء مهين حتى إذا دلت الرؤيا على وجود ولد فذلك الولد مخلوق من عين تلك الرؤيا ماء في صلب أبيه وإن كان الماء قد نزل في الرحم تصورت فيه تلك الرؤيا ولد فهو ولد؟؟؟ الرؤيا وإن لم تتقدم له رؤيا فهو على أصل نشأته كما هو سائر الأولاد فاعلم ذلك فإنه سر عجيب وكشف صحيح وكل ولد يكون عن رؤيا ترى له تمييزا على غيره ويكون أقرب إلى الأرواح من غيره إن جعلت بالك هكذا تبصره وكل مخلوق من حالة أو عرض أو نسبة من ولاية أو غيرها يكون عن رؤيا يكون له ميز على من ليس عن رؤيا وانظر ذلك في رؤيا آمنة أم رسول الله ص يبدلك صحة ما ذكرناه فكان ص عين رؤيا أمه ظهرت في ماء أبيه بتلك الصورة التي رأته أمه ولذلك كثرت المرائي فيه ص فتميز عن غيره ولا يعرف ما قلناه إلا أهل العلم بصورة الكشف وهو من أسرار الله في خلقه وإن أردت تأنيسا لما ذكرناه فانظر في علم الطبيعة إذا توحمت المرأة وهي حامل على شئ خرج الولد يشبه ذلك الشئ وإذا نظرت عند الجماع أو تخيل الرجل صورة عند الوقاع وإنزال الماء يكون الولد على خلق صورة ما تخيل ولذلك كانت الحكماء تأمر بتصوير صور الفضلاء من أكابر الحكماء في الأماكن بحيث تنظر إلى تلك الصورة المرأة عند الجماع والرجل فتنطبع في الخيال فتؤثر في الطبيعة فتخرج تلك القوة التي كانت عليها تلك الصورة في الولد الذي يكون من ذلك الماء وهو سر عجيب في علم الطبيعة وانظر في تكوين عيسى ع عن مشاهدة مريم جبريل في صورة بشر كيف جمع بين كونه روحا يحيي الموتى وبين كونه بشرا إذا كان الروح به تحيا الأجسام الطبيعية وأقوى من ذلك ما فعله السامري من قبضة أثر جبريل لما علم أن الروح تصحبه الحياة حيث حل فرمى ما قبضه في العجل فخار العجل بذلك الأثر المقبوض من وطء الروح ولو رماه في شكل فرس لصهل أو في شكل إنسان نطق فإن الاستعداد لما ظهر بالحياة إنما كان للقابل ومن هنا تعرف صورة الظاهر في المظاهر وأن المظاهر تعطي باستعدادها في الظاهر فيها ما يظهر به من الصور الحاملة والمحمولة ولهذا أظهر الله هذه الحكمة لتقف من ذلك على ما هو الأمر عليه ثم إن تسمية النبي ص لها بشرى ومبشرة لتأثيرها في بشرة الإنسان فإن الصورة البشرية تتغير بما يرد عليها في باطنها مما تتخيله من صورة تبصرها أو كلمة تسمعها إما بحزن أو فرح فيظهر لذلك أثر في البشرة لا بد من ذلك فإنه حكم طبيعي أودعه الله في الطبيعة فلا يكون إلا هكذا (تكملة) للرؤيا مكان ومحل وحال فحالها النوم وهو الغيبة عن المحسوسات الظاهرة الموجبة للراحة لأجل التعب الذي كانت عليه هذه النشأة في حال اليقظة من الحركة وإن كان في هواها قال تعالى وجعلنا نومكم سباتا يقول وجعلنا النوم لكم راحة تستريح به النفوس وهو على قسمين قسم انتقال وفيه بعض راحة أو نيل غرض أو زيادة تعب والقسم الآخر قسم راحة خاصة وهو النوم الخالص الصحيح الذي ذكر الله أنه جعله راحة لما تعبت فيه هذه الآلات والجوارح والأعضاء البدنية في حال اليقظة وجعل زمانه الليل وإن وقع بالنهار كما جعل النهار للمعاش وإن وقع بالليل ولكن الحكم للغالب فأما قسم الانتقال فهو النوم الذي يكون معه الرؤيا فتنقل هذه الآلات من ظاهر الحس إلى باطنه ليرى ما تقرر في خزانة الخيال الذي رفعت إليه الحواس ما أخذته من المحسوسات وما صورته القوة المصورة التي هي من بعض خدم هذه الخزانة لترى هذه النفس الناطقة التي ملكها الله هذه المدينة ما استقر في خزانتها كما جرت العادة في الملوك إذا دخلوا خزائنهم في أوقات خلواتهم ليطلعوا على ما فيها وعلى قدر ما كمل لهذه النشأة من الآلات التي هي الجوارح والخدام الذين هم القوي الحسية يكون الاختزان فثم خزانة كاملة لكمال الحياة وثم خزانة ناقصة كالأكمه فإنه لا ينتقل إلى خزانة خياله صور الألوان والخرس لا ينتقل إلى خزانة الخيال صور الأصوات ولا الحروف اللفظية هذا كله إذا عدمها في أصل نشأته وأما إذا طرأت عليه هذه الآفات فلا فإنه إذا انتقل بالنوم إلى
(٣٧٨)