اعلم وفقك الله أن الله أخبر عن نبيه ورسوله ع في كتابه أنه قال إن ربي على صراط مستقيم فوصف نفسه بأنه على صراط مستقيم وما خطأ هذا الرسول في هذا القول ثم إنه ما قال ذلك إلا بعد قوله ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها فما ثم إلا من هو مستقيم على الحقيقة على صراط الرب لأنه ما ثم إلا من الحق آخذ بناصيته ولا يمكن إزالة ناصيته من يد سيده وهو على صراط مستقيم ونكر لفظ دابة فعم فأين المعوج حتى تعدل عنه فهذا جبر وهذه استقامة فالله يوفقنا لإنزال كل حكمة في موضعها فهنا لك تظهر عناية الله بعيده لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا وهي أحكام الطريقة التي في قوله ومنهاجا فكلها مجعولة بجعل الله فمن مشى في غير طريقه التي عين الله له المشي عليها فقد حاد عن سواء السبيل التي عين الله له المشي عليها كما أن ذلك الآخر لو ترك سبيله التي شرع الله له المشي عليها وسلك سبيل هذا سميناه حائدا عن سبيل الله والكل بالنسبة إلى واحد واحد على صراط مستقيم فيما شرع له ولهذا خط رسول الله ص خطا وخط عن جنبتي ذلك الخط خطوطا فكان ذلك الخط شرعه ومنهاجه الذي بعث به وقيل له قل لأمتك تسلك عليه ولا تعدل عنه وكانت تلك الخطوط شرائع الأنبياء التي تقدمته والنواميس الحكمية الموضوعة ثم وضع يده على الخط وتلا وأن هذا صراطي مستقيما فأضافه إليه ولم يقل صراط الله ووصفه بالاستقامة وما تعرض لنعت تلك الخطوط بل سكت عنها ثم قال فاتبعوه الضمير يعود على صراطه ولا تتبعوا السبيل يعني شرائع من تقدمه ومناهجهم من حيث ما هي شرائع لهم إلا إن وجد حكم منها في شرعي فاتبعوه من حيث ما هو شرع لنا لا من حيث ما كان شرعا لهم فتفرق بكم عن سبيله يعني تلك الشرائع عن سبيله أي عن طريقه الذي جاء به محمد ص ولم يقل عن سبيل الله لأن الكل سبيل الله إذ كان الله غايتها ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون أي تتخذون تلك السبيل وقاية تحول بينكم وبين المشي على غيره من السبل وهو قوله إن الذين قالوا من أي شرع كان إذا كان له الزمان والوقت ربنا الله ثم استقاموا على طريقهم التي شرع الله لهم المشي عليها تتنزل عليهم الملائكة وهذا التنزل هو النبوة العامة لا نبوة التشريع تتنزل عليهم بالبشر أي لا تخافوا ولا تحزنوا فإنكم في طريق الاستقامة ثم قالوا لهم هؤلاء المبشرون من الملائكة نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا أي نحن كنا ننصركم في الحياة الدنيا في الوقت الذي كان الشيطان يلقي إليكم بلمته العدول عن الصراط الذي شرع لكم المشي عليه فكنا ننصركم عليه باللمة التي كنتم تجدونها في وقت التردد بين الخاطرين هل يفعل أو لا يفعل نحن كنا الذين نلقي إليكم ذلك في مقابلة إلقاء العدو فنحن أيضا أولياؤكم في الآخرة بالشهادة لكم إنكم كنتم تأخذون بلمتنا وتدفعون بها عدوكم فهذه ولايتهم في الآخرة وولايتهم أيضا بالشفاعة فيهم فيما غلب عليهم الشيطان في لمته فيكون العبد من أهل التخليط فتشفع الملائكة فيه حتى لا يؤاخذ بعمل الشيطان فهذا معنى قوله وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم من شهادتنا لها وشفاعتنا فيها في هذا الموطن ولكم ما تدعون من الدعة نزلا من غفور رحيم بشهادتنا وشفاعتنا حيث قبلها فأسعدكم الله بها فستركم في كنفه وأدخلكم في رحمته هذا معنى الاستقامة المتعلقة بالنجاة وأما الاستقامة التي تطلبها حكمة الله فهي السارية في كل كون قال تعالى مصدقا لموسى ع أعطى كل شئ خلقه فكل شئ في استقامة حاصلة فاستقامة النبات أن تكون حركته منكوسة واستقامة الحيوان أن تكون حركته أفقية وإن لم يكن كذلك لم ينتفع بواحد منهما لأن حركة النبات إن لم تكن منكوسة حتى يشرب الماء بأصولها لم تعط منفعة إذ لا قوة له إلا كذلك وكذلك الحيوان لو كانت حركته إلى العلو وقام على رجلين مثلنا لم يعط فائدة الركوب وحمل الأثقال على ظهره ولا حصلت به المنفعة التي تقع بالحركة الأفقية فاستقامته ما خلق له فهي الحركة المعتبرة التي تقع بها المنفعة المطلوبة وإلا فالنبات والحيوان لهما حركة إلى العلو وهو قوله والنخل باسقات فلو لا الحركة ما نما علوا وإنما غلبنا عليه الحركة المنكوسة للمنفعة المطلوبة فافهم ذلك فإن المتكلمين في هذا الفن ما حرر والكلام في حقيقة هذه الحركات فالحركة في الوسط مستقيمة لأنها أعطت حقيقتها كحركة الأرض وحركة الكرة والحركة من الوسط حركة العروج والحركة إلى الوسط حركة النزول فحركة النزول ملكية وإلهية وحركة العروج حركة بشرية وكلها مستقيمة فما ثم إلا استقامة لا سبيل إلى المخالفة فإن المخالفة
(٢١٧)