تشاجر ألا ترى أنه ما وقع التحجير على آدم إلا في الشجرة أي لا تقرب التشاجر وألزم طريقة إنسانيتك وما تستحقه واترك الملك وما يستحقه والحيوان وما يستحقه وكل ما سواك وما يستحقه ولا تزاحم أحدا في حقيقته فإن المزاحمة تشاجر وخلاف ولهذا لما قرب من الشجرة خالف نهي ربه فكان مشاجرا فذهبت عنه في تلك الحال السعادة العاجلة في الوقت وما ذهبت عنه استقامة التشاجر فإنه وفاها حقها بمخالفة النهي الإلهي اعوجاج القوس استقامته لما أريد له فما في الكون إلا استقامة فإن موجدة وهو الله تعالى على صراط مستقيم من كونه ربا فإن دخلت السبل بعضها على بعض واختلطت فما خرجت عن الاستقامة استقامة الأخلاط واستقامة ما وجدت له فهي في الاستقامة المطلقة التي لها الحكم في كل كون وهي قوله وإليه يرجع الأمر كله وهو على صراط مستقيم فاعبده أي تذلل له في كل صراط يقيمك فيه لا نتذلل لغيره فإن غيره عدم ومن قصد العدم لم تظفر يداه بشئ ثم إنه جاء بضمير الغائب في قوله فاعبده أي لا تقل أنت المدرك فإن الأبصار لا تدركه إذ لو أدرك الغيب ما كان غيبا فاعبد ذاتا منزهة مجهولة لا تعرف منها سوى نسبتك إليها بالافتقار ولهذا تمم فقال وتوكل عليه أي اعتمد عليه وما ربك بغافل عما تعملون قطع بهذا ظهر المدعين في هذا المقام إذا لم يكن صفتهم ولا حالهم ولا وصل إليهم علمه فالاستقامة سارية في جميع الأعيان من جواهر وأعراض وأحوال وأقوال كما قال وأقوم قيلا وهي نعت إلهي وكوني جعلنا الله ممن لم يعدل عن استقامته إلا باستقامته آمين بعزته وأما الاستقامة بلسان عامة أهل الله فهي أن تقول الاستقامة عامة في الكون كما قررنا فما ثم طريق إلا وهو مستقيم لأنه ما ثم طريق إلا وهو موصل إلى الله ولكن قال الله تعالى لنبيه ولنا فاستقم كما أمرت لم يخاطبه بالاستقامة المطلقة فإنه قد تقرر أن إلى الله تصير الأمور وأنه غاية كل طريق ولكن الشأن إلى أي اسم تصل وتصير من الأسماء الإلهية فينفذ في الواصل إليه أثر ذلك الاسم من سعادة ونعيم أو شقاوة وعذاب فمعنى الاستقامة الحركات والسكنات على الطريقة المشروعة والصراط المستقيم هو الشرع الإلهي والايمان بالله رأس هذا الطريق وشعب الايمان منازل هذا الطريق التي بين أوله وغايته وما بين المنزلين أحواله وأحكامه ولما كان الصراط المستقيم مما تنزلت به الملائكة المعبر عنها بالأرواح العلوية وهي الرسل من الله إلى المصطفين من عباده المسمين أنبياء ورسلا جعل الله بينها وبين من تنزل عليه من هؤلاء الأصناف نسبا جوامع بينهما بتلك النسب يكون الإلقاء من الملائكة وبها يكون القبول من الأنبياء فكل من استقام بما أنزل على هؤلاء المسمين أنبياء ورسلا من البشر بعد ما آمن بهم أنهم رسل الله وأنهم أخذوا ما جاءوا به عن رسل آخرين ملكيين تنزلت الملائكة عليهم أيضا بالبشرى وكانت لمن هذه صفته جلساء ولما كانت هذه الأرواح العلوية حية بالذات كان الاسم الذي تولاها من الحضرة الإلهية الاسم الحي كما كان المتولي من الأسماء الإلهية لمن كانت حياته عرضية مكتسبة الاسم المحيي فما عقل الملك قط الأحياء بخلاف البشر فإنهم كانوا أمواتا فأحياهم ثم يميتهم ثم يحييهم ولأهل هذه الحياة العرضية من العناصر ركن الماء قال تعالى وكان عرشه على الماء وقال وجعلنا من الماء كل شئ حي فالماء أصل العناصر والأسطقسات والعرش الملك وما تم الملك وكمل إلا في عالم الاستحالة وهو عالم الأركان الذي أصله الماء ولولا عالم الاستحالة ما كان الله يصف نفسه بأنه كل يوم في شأن فالعالم يستحيل والحق في شأن حفظ وجود أعيانه يمده بما به بقاء عينه من الإيجاد فهو الشأن الذي هو الحق عليه وليس لغير عالم الاستحالة هذه الحقيقة ولما صار الماء أصلا لكل حي حياته عرضية كان من استقام سقاه الله ماء الحياة فإن كان سقي عناية كالأنبياء والرسل حيي به من شاء الله وإن كان سقي ابتلاء لما فيه من الدعوى كان بحكم ما أريد بسقيه قال تعالى وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه فهذا سقي ابتلاء وإنما طلبت الاستقامة من المكلف في القيام بفرائض الله عليه فإن المكلف من جهة الحقيقة ملقى طريح عند باب سيده تجري عليه تصاريف الأقدار وما أودع الله في حركات هذه الأكوار مما يجيئ به الليل والنهار من تنوع الأطوار بين محو وإثبات لظهور آيات بعد آيات وقد جعل الله المكلف محلا للحياة والحركات وطلب منه القيام من تلك الرقدة بما كلفه من القيام بحقه فأصعب ما يمر على العارفين أمر الله بالاستقامة وهو قوله تعالى فاستقم كما أمرت ومن تاب معك
(٢١٨)