من الأوساخ والأقذار والجفن الكائن في صهاريج عتيقة مغسولة في كل زمان من الطين والحمأة، تهب عليها أكثر ذلك ريح الشرق والشمال لان الماء الذي هو كذلك أقل المياه رطوبة وأسلمها من العفونة وأبعدها من الاضرار بالمعدة لان فيه شيئا من قبض وتقوية. وبعد ماء المطر في الفضل ماء الأنهار العظام البعيدة من المدن الجارية على الحصى والرمل الصافي النقي أو الطين الحر العذب الأحمر أو الأسود، وإن كان ما يجري على الحصى والحجارة أفضل مما يجري على الرمل لان الحجارة والحصى يكسر الماء ويلطفه وينقي غلظه. وما يجري على الرمل النقي أفضل من ماء المطر العتيق الذي قد تقادم في صهاريجه، لان حركة الماء وجريه يلطفه ويرقه وينقي بعض غلظه، واحتقان الماء في الصهاريج يفيده من بخار الأرض بخارات مذمومة. وبعد ماء الأنهار العظام في الجودة ماء العيون المستقبلة للمشرق أو الشمال المنصبة من مواضع عالية على الحجارة والحصى، وأن كان ما يستقبل المشرق من العيون أفضل مما يستقبل منها الشمال، لان جهة المشرق على مذهب بقراط وجالينوس حارة يابسة، والشمس تشرق عليها كل غداة دائما بالطبع وتلطف هواءها وتنقي بخاراتها وغلظها في أقرب وقت (1) من النهار.
* * *