عفصا، كان أضعف لحرارته وأقل لغذائه وأعسر لانحداره وانهضامه وأعون على حبسه للبطن والبول جميعا، لأنه لغلظه وعفوصته يلبث في أعلى البطن زمانا طويلا. فإذا طال لبثه هناك، استحال إلى الحموضة بسرعة وهيج القئ والصداع وأضر بالرأس والعصب، وذلك لغلظ بخاره وثقل حركته وبعده من الترقي إلى الرأس. ولذلك صار سكره أبعد وانحلال خماره أبطأ.
ولجالينوس في الشراب الأسود قول قال فيه: وأما الشراب الذي يضرب إلى السواد، فليس له من الحرارة ولا من الاضرار بالرأس والعصب ما للأصفر والأشقر ولا يتولد عنه من الحمى ما يتولد عنهما. وما كان من الشراب الأسود مركبا من الطعمين، أعني من الحلاوة والعفوصة، كان أغلظ وأبعد انهضاما وأفسد جوهرا وأذم غذاء وأكثر توليدا للرياح والنفخ وحجارة الكلى وسدد الكبد والطحال وأشد تهييجا للقئ والصداع والاضرار بالرأس والعصب.
* * * وأما الشراب الأحمر فهو في طعمه مائل إلى الحلاوة والعفوصة والصلابة، إلا أن العذوبة به أخص. وفى قوامه مائل (1) إلى الرقة والغلظ والاعتدال، والاعتدال به أخص. وفى رائحته مائل (1) للثقل والخفة والتوسط بين ذلك، والتوسط الذي له من ذلك لتوسطه بين لطافة الأشقر وغلظ الأسود. ولذلك صار أعدل الأشربة غذاء وأسرعها انقلابا إلى الدم إذا كان عذبا معتدل القوام مائلا إلى الغلظ قليلا، لان ما كان من الشراب كذلك لم يحتج إلى الطبخ إلا اليسير حتى يكمل هضمه وينقلب إلى الدم بسرعة، ذلك لقربه من المشاكلة له في لونه وقوامه وعذوبته.
وبعد هذا الشراب في سرعة الانقلاب إلى الدم، الشراب الأسود الحلو، إلا أن الدم المتولد عنه أفسد كثيرا لغلظه وكدره وانحرافه إلى المرة السوداء. وبعدهما في سرعة الانقلاب إلى الدم، الشراب الأحمر الرقيق، لان رقة قوامه تحتاج إلى مدة أطول في طبخه ليغلظ ويصير دما، إلا أن الدم المتولد عنه أرق وألطف وأحمد كثيرا. ولذلك قال جالينوس: وأما الشراب النير الصافي الناصع الحمرة فإنه لما كان في منظره متوسطا بين الأبيض اللطيف المورد وبين الصافي الغليظ الحلو، وجب أن يكون في جوهره وفعله وانفعاله متوسطا بين جوهرهما وفعليهما وانفعالهما. ولذلك صار لا يغلظ الأخلاط كما يغلظها الشراب الأسود، ولا يرققها ويسيلها ويحدرها بالبول كما يفعل الشراب الأبيض اللطيف. ولما كان أكثر هذا النوع من الشراب لا يكون إلا ذكيا خمريا عطريا، وجب أن يكون بخاره خفيفا لطيفا سريع الترقي إلى الرأس. ولذلك وجب أن يحذره من كان دماغه عليلا لسرعة إضراره به وأذيته له.
وأما الشراب الأحمر الحلو، فإن أصحاب علل الصدر والرئة المزمنة ينتفعون به كثيرا، لا سيما من احتاج منهم إلى أن ينقي صدره ورئته بالنفث وبخاصة إذا كان في البصاق من اليبس واللزوجة ما