الأمواج، النقية، البعيدة من المدن. ودون ذلك في الفضل سمك الأنهار اللطاف الضعيفة المد، القريبة من المدن. وأردأ الأسماك وأكثرها لزوجة وغلظا وأفسدها غذاء سمك البحيرات والآجام.
ولهذه الأسباب والخواص، وقع بين أجناس السمك اختلاف كثير في جودة الغذاء ورداءته من أحد (1) عشر وجها:
أحدها: اختلاف أجناس السمك في ذاته.
والثاني: طبيعة الماء الذي يأوي إليه.
والثالث: قوام الماء وموضعه من الصفاء والكدورة.
والرابع: قوة مد الماء ودوام حركته وكثرة أمواجه.
والخامس: مقدار رياضة السمك وتعبه.
والسادس: طبيعة الرياح الهابة عليه وما يصل إليه مما تحمله الرياح معها.
والسابع: غذاء السمك ومرعاه.
والثامن: مقدار سنه ومدته.
والتاسع: اختلاف أزمان السنة.
والعاشر: أعضاء السمك.
والحادي عشر: صنعة السمك وعمله.
فأما اختلاف السمك في جنسه، فيكون على ضربين: لان منه ما يكون لحمه لينا رخوا. ومنه ما لحمه صلبا غليظا. والذي لحمه رخو (2) يكون على ضربين: لان منه ما يجتمع فيه، مع رخاوة لحمه، كثرة اللزوجة والغلظ، مثل السمك الشطي القريب من مصب الأنهار، والسمك الجافي الغليظ القشر.
ومنه ما يجتمع له، مع رخاوة لحمه، قلة اللزوجة والغلظ، مثل السمك الصخري، والسمك الصغير الرقيق القشر. وما كان لحمه صلبا كان أيضا على ضربين: لان منه ما يجتمع مع فيه صلابة لحمه، كثرة اللزوجة والغلظ، مثل سمك القريبة (3) من المدن، وسمك البحيرات والآجام. ومنه ما يجتمع له مع صلابة لحمه، قلة اللزوجة والسهوكة، مثل السمك اللجي والسمك الشطي الذي يأوي الماء الصافي النقي البعيد من مصب الأنهار. وأفضلها غذاء وأعدلها لكل مزاج وأسرعها انهضاما ما كان لحمه رخوا قليل اللزوجة والغلظ، بريئا من الزهومة والزفورة، مثل السمك الصخري واللجي، لان الدم المتولد عنهما قريب من المعتدل، إلا أنه مائل إلى المائية قليلا.
ولذلك صار كثير الموافقة لمن قلت حركته وكثر سكونه، ولمن كان بدنه ضعيفا مثل أبدان المشايخ والناقهين من الأمراض، ولمن رغب في حفظ صحته على قوة أعضائه، لأنه ليس شئ أبلغ في