قال بعض الأوائل: أن من السمك ما يعتدل شحمه ويجود لحمه في الربيع، لان في ذلك الوقت يبتدئ تولد البيض، وكذلك الحال في الشتاء وفى الصيف.
وأما اختلاف غذاء السمك على حسب اختلاف أعضائه فيكون على ضروب: وذلك أن من أعضاء السمك أكثر شحما بالطبع، مثل السرة والأذنين والعينين. ومنها ما هي أقل شحما بالطبع، مثل الجنبين وما جاوز عظم الصلب. ومنها ما هي أكثر لزوجة بالطبع، مثل الذنب وعظم الصلب والأجنحة.
ومنها ما هي أقل حركة، مثل السرة، وبعدها الأضلاع.
فما كان من أعضاء السمك أكثر شحما مثل السرة، كان غذاؤه أذم لان كثرة شحمه تفيده لزوجة وسهوكة، وتعينه على إزلاق المعدة والمعاء والانحدار منها بسرعة، وتعسر نفوذه في العروق وجولانه في البدن، وتمنع من جودة انهضامه في الكبد وتحيله إلى الفساد بسرعة، وبخاصة متى كان من حيوان سمين لان ما كان من الأعضاء أكثر شحما بالطبع، وكان حيوانه مهزولا، كان أقل أضرارا، لان شحمه الطبيعي يقل ويعتدل بهزال حيوانه.
وما كان من الأعضاء أقل شحما بالطبع، مثل الجنبين وما جاوز عظم الصلب، كان أبعد انحدارا عن المعدة والمعاء لقلة لزوجته. إلا أن انهضامه يكون أسرع، واستحالته إلى الفساد أبعد، وغذاءه أحمد وبخاصة متى كان من حيوان سمين، لان من خاصة السمك أن يزئ (1) شحمه في جوفه ويجمعه فيه، فيقل ما على الجنبين وما جاوز عظم الصلب من الشحم. فإذا كانت تلك المواضع من حيوان أسمن، كانت أرطب وأدسم وأعدل. ومتى كانت من حيوان أهزل، كانت أصلب وأغلظ وأبعد انهضاما.
وما كان من أعضاء السمك أكثر حركة، مثل الذنب وعظم الصلب والأجنحة، كان أرخى لحما وأقل شحما وأسرع انهضاما وأحمد غذاء وبخاصة متى كانت من حيوان أسمن. وما كان منها أقل حركة مثل السرة، وبعدها الأضلاع، أو كان أكثر لزوجة، مثل الرأس، كان أغلظ وأعسر انهضاما وأفسد غذاء.
ولذلك قال جالينوس: إن لحم السرة والرأس من كل سمك، مذموم جدا لأنه يطفو في المعدة ويعوم لكثرة دسمه ولزوجته، ولذلك يعسر انهضامه جدا. فإذا هبط (2) واستقر في قعر (2) المعدة وأزلقته وانحدر بسرعة (3). ولذلك صار كثيرا ما يحدث عنه العلة المعروفة بزلق الأمعاء.
وأما لحم الذنب والأجنحة وما يحوطه بعظم الصلب من الرأس إلى الذنب، وبخاصة ما قرب من القفا (4)، فإنه أرخص لحما وأسرع انهضاما وأحمد غذاء. ذلك لكثرة حركته ودوام تعبه لان العظام ترض