ما يليها من اللحم وتفيده ليانة ورخاوة ولذاذة وجودة غذاء، وتزيل عنه صلابته ولزوجته. وأما ما يلي الجنبين والأضلاع، فإن لحمه بإضافته إلى لحم الذنب والأجنحة أصلب قليلا لأنه أقل منه حركة، وبإضافته إلى لحم السرة أرخى وأقل لزوجة لأنه أقل منه شحما ودسما. ولذلك صار بإضافته إلى لحم السرة ألذ طعما وأسرع انهضاما وأحمد غذاء.
وأما اختلاف غذاء السمك من الصنعة والعمل، فقد ينقسم بدءا على قسمين: لان من السمك ما يتخذ طريا، ومنه ما يتخذ مالحا. وما يتخذ منه طريا، فيستعمل على ضربين: إما (1) على حسب طبيعة السمك في نفسه، وإما على حسب طبيعة المستعمل له. فأما استعماله على حسب طبيعة السمك في نفسه، فيكون على ضروب: وذلك أن من السمك ما يكون لينا رخوا قليل الغلظ واللزوجة، مثل السمك الصخري. ومنه ما يكون فيه، مع رخاوة لحمه، لزوجة ولعابية، مثل السمك الشطي وسمك الأنهار العظام الكثيرة الأمواج النقية الماء. ومنه ما يكون لحمه صلبا كثيفا قليل اللزوجة، مثل السمك اللجي. ومنه ما يكون فيه، مع صلابة لحمه، لزوجة ولعابية، مثل سمك الأنهار الصغار والبرك والبحيرات. فما كان منه لينا رخوا قليل اللزوجة، فقد استغنى عن شئ يطيب به ويصلح لحمه. ولذلك صار من الأفضل أن يتخذ أسفيذباجة ساذجة بماء وملح وشبت وشئ من كراث ويسير من الزيت والفلفل.
وزعم جالينوس أن هذا اللون هو أعدل ألوان السمك وأسرعها انهضاما وأقلها إضرارا بالمعدة.
ولذلك وجب ألا يتخذ السمك أكثر ذلك (2) إلا بهذا اللون، وبخاصة للناقهين من الأمراض، إلا أن تدعو الحاجة إلى غيره، مثل أن يكون في السمك، مع رخاوة لحمه، لزوجة ولعابية، فيحتاج إلى ما يلطفه ويفني أكثر رطوبته فيتخذ إما مشويا وإما مقليا بالزيت، لان النار والزيت الحار ينشفان رطوبته ويلطفان لزوجته وغلظه. وإن كانا جميعا، أعني المشوي والمقلي، يحتاجان (3) إلى الزيت والمري ليسرع انحدارهما وخروجهما. إلا أنه يجب أن يكون الزيت في المقلي أقل، لان من خاصة المقلي بالزيت أن يرخي المعدة ويفسدها. ولذلك وجب أن يطيب بالشراب الريحاني الكثير العطرية. فإن عرض منه للمعدة شئ من استرخاء وغثيان، فليشرب عليه الاسكنجبين العنصلاني، ولا يتخذه بعد ذلك إلا بالخل والمري والشراب، لان ذلك يسرع انحداره ويمنع من إرخائه للمعدة. فإن كان السمك صلبا قليل اللزوجة، احتاج إلى ما يلين لحمه ويرخيه. ويستعمل أسفيذباج بالمري والشراب القوي. وإن كان، مع صلابة لحمه، لزجا لعابيا واحتاج إلى ما يرخي لحمه ويقطع لزوجته وغلظه، فيدفن في رماد حار حتى تذهب سهوكته وزفورته، ويطيب بالخل والخردل والفوذنج الجبلي والزنجبيل والفلفل.
ولديوجانس قول في طبيخ السمك قال فيه: إذا أردت أن تطبخ سمكا فاطبخ مرقته بدءا بالأبازير