السمك. ومن قبل ذلك، صار بإضافته إلى غيره من السمك، ألذ طعما وأبعد من الاستحالة إلى الفساد.
ولهذا السبب صيرت الفلاسفة بينه وبين مزاج بدن الانسان ملاءمة ومشاكلة، من قبل أن الانسان الصحيح الحواس لا يلتذ إلا بما لاءم مزاجه. ولهذا صار الدم المتولد عنه أعدل، لأنه لا بالغليظ الكدر، ولا بالدقيق المائي. إلا أنه أقرب من اللطيف المائي قليلا، من قبل أن الدم المعتدل، وإن كان قابلا لهذا الاسم لخروجه عن الحاشيتين المذمومتين، فإن له مراتب لازمته، من قبل أن منه البعيد من الحاشيتين بعدا متساويا، وهو المعتدل على الحقيقة. ومنه المتوسط بين الطرفين، إلا أنه أميل إلى أحدهما (1) دون الآخر قليلا. فالدم المتولد عن السمك الصخري وإن كان معتدلا، فإنه أميل إلى الرقة بالطبع. ولذلك صار أسرع انحلالا من الأعضاء. ومن قبل ذلك، صار غذاؤه بحفظ الصحة وبقائها، أفضل منه لتقوية الأعضاء وتصليبها.
وأما السمك اللجي، فهو في طبيعته قريب من السمك الصخري، لان ماءهما واحد في ملوحته وصفائه ونفاذه. ولذلك لا يكاد أن يوجد بينهما فرقان إلا في كثرة شحم اللجي وصلابة لحمه فقط، وقلة شحم الصخري ورخاوته، لان السمك الصخري أرخى لحما وأقل شحما وألذ طعما. أما رخاوة لحمه وقلة شحمه، فلصلابة أرضه وخشونتها ومصادمته للصخر. وأما لذاذته، فلقلة سهوكته ولزوجته. وأما السمك اللجي فهو أصلب لحما وأكثر شحما وأقل لذاذة، أما صلابة لحمه وكثرة شحمه ولزوجته، فلرخاوة أرضه وقلة تعبه. وأما قلة لذاذته، فلسهوكته وعذوبة شحمه ولزوجته. ولذلك صار الدم المتولد عنه، وإن كان معتدلا، فإنه بالإضافة إلى الدم المتولد عن السمك الصخري، أميل إلى الغلظ وأقرب من قوام الدم المتولد عن الدراج والحجل والفراريج في القوام فقط، لا في جودة الغذاء وفضله، من قبل أن المتولد عن السمك أبدا مائل إلى البلغم بالطبع، والدم المتولد عن الدراج والحجل والفراريج مائل إلى المزاج المعتدل بالطبع. ويستدل على ذلك من طبيعة السمك وميله إلى البرودة والرطوبة. ومن قبل ذلك، صار غذاء السمك اللجي أكثر وأبعد انحلالا من الأعضاء، من قبل أن كل طعام الصلابة عليه أغلب، فهو إلى الأرضية أميل. وما كان كذلك، كان غذاؤه أكثر وانحلاله من الأعضاء أبعد، ولا سيما متى كان، مع صلابته، معتدلا ملائما لطبيعة المغتذي به.
وأما السمك الشطي، فيوجد فيه اختلاف كثير على حسب اختلاف المواضع التي يأويها ويصاد منها، لان ما كان منه يأوي المواضع الصافية الماء، النقية من الكدر والأوساخ، البعيدة من مصب الأنهار، كان في طبيعته قريبا من السمك اللجي، إلا أنه أرخى لحما وأسرع انهضاما. وذلك لقربه من الشط والقرار وكثرة الأمواج هناك دائما، لان الشط من البحر أبدا أشد حركة وأكثر أمواجا (2). وما كان منه يأوي مياها (3) كدرة وسخة قريبة من مصب الأنهار، كان أكثر سمك البحر لزوجة وغلظا وأبعد من