الانهضام، لأنه في طبيعته وغذائه قريب من طبيعة سمك الأنهار وغذائه، إذ كان أكثر غذائه مما ينصب إليه من الأنهار من الأوساخ ومزابل المدن (1). ولذلك صار سمك بحر الخزر (2) أذم الأسماك وأقلها جودة لان ماءه ليس بالنقي، من قبل أن الأنهار تصب إليه دائما وتحمل إليه أوساخ المدن ومزابلها ومياه الحمامات وغيرها مما يكدره ويفسد ماءه. وما كان منه يأوي المواضع المتوسطة بين هذين الموضعين، كان في فعله وانفعاله وجودة غذائه ورداءته متوسطا بين هاتين الحالتين، لأنه أخذ من كل واحد منهما بقسطه.
وأما سمك الأنهار، فإن ما كان منه يأوي الأنهار العظام، القوية المد، الكثيرة الأمواج، الصافية الماء، النقية من الكدر والوسخ، لبعدها من المدن، فإنها بالإضافة إلى سمك سائر الأنهار الأخرى، أفضل وأحمد غذاء، لان صفاء الماء الذي يأوي فيه، ونقائه وقلة وسخه يزيل عنه سهوكته وزهومته. وقوة حركة الماء وكثرة أمواجه ترخي لحم السمك وتذهب بغلظه وبخاصة متى كان الماء جاريا على حجارة وحصى، لان الحجارة تكسر لحم السمك وترخيه وتصيره قريبا من السمك الشطي النقي الماء إلا في اللزوجة فقط، لان السمك الشطي أقل لزوجة لملوحة مائه. وما كان من السمك يأوي أنهارا لطافا ضعيفة المد، قليلة الأمواج، قريبة من المدن تنصب إليها مياه الحمامات ومبال الكنان وأوساخ المزابل، كان أسمن وأعذب وأكثر لزوجة وغلظا. ولذلك صار لحمه لعابيا بطئ الانهضام قليل اللذاذة بعيدا (3) من الغذاء المحمود جدا، من قبل أن ضعف حركة مائه وقلة أمواجه يكثف جسمه ويفيده لزوجة وغلظا.
وما يغتذي به مما يصل إليه من أوساخ المدن يكسبه سهوكة وزهومة. وتدل على ذلك استحالته إلى الفساد بسرعة بعد خروجه من الماء. ولذلك صار كثيرا ما يجتمع منه في أبدان المدمنين عليه فضول كثيرة رديئة بلغمانية.
وأما سمك البحيرات، فهو أكثر لزوجة وسهوكة من سمك الأنهار الجارية، من قبل أن ماء البحيرات أقل حركة وأكثر طينا وحمأة. ولذلك صار سمكها أكثر عذوبة وأدسم وأقل لذاذة لكثرة سهوكته وزفورته. ولهذه الجهة، صار غذاؤه رديئا (4)، وانهضامه أعسر، وانتقاله إلى الفساد أسرع. إلا أن ما كان منه من بحيرات تنصب إليها مياه (5) الأنهار، ويخرج ماؤها إلى البحر دائما، كان أحمد كثيرا لان ماءها ينغسل كل يوم دائما ويقل وسخه بما ينصب إليه من الأنهار، ويخرج إلى البحر.
وأما سمك الآجام، فهو أردأ الأسماك كلها وأغلظها وأذمها وأكثرها سهوكة وزفورة وأسرعها انقلابا إلى الفساد وأعسرها انهضاما، لأنه يأوي في مياه مستنقعة كثيرة الطين والحمأة. ولذلك وجب أن